للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعمل بما فيه ألَّا يَضِلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة». ثم قرأ هذه الآية (١).

وقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} يتناول الذِّكر الذي أنزله، وهو الهدى الذي جاءت به الرُّسل. ويدلُّ عليه سياق الكلام، وهو قوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} فهذا هو الإعراض عن ذِكْره. فإذا كان هذا حال المعرض عنه فكيف حال المعارض له بعقله أو عقل مَن قلَّده وأحسن الظن به؟! فكما أنه لا يكون مؤمنًا إلَّا من قبله وانقاد له، فمَن أعرض عنه وعارضه من أبعد النَّاس عن الإيمان به.

الوجه السَّادس والعشرون: أن طالب الهدى في غير القرآن والسُّنَّة قد شهد الله ورسوله له بالضلال، فكيف يكون عقل الذي قد أضلَّه الله (٢) مقدَّمًا على كتاب الله وسنة رسوله؟!

قال تعالى في أرباب العقول التي عارضوا بها وحيَه: {أَفَرَءَيْتَ مَنِ اِتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اُللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اِللَّهِ أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ} [الجاثية: ٢٢] وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاَتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا اُلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٤].

وقال فيمن قدَّم عقله على ما جاء به: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى اَلْأَنفُسُ وَلَقَد جَّاءَهُم مِّن رَّبِّهِمِ اِلْهُدى} [النجم: ٢٣] والقرآن مملوءٌ بوصف مَن قدَّم عقله على ما جاء به بالضلال (٣).


(١) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٦٠٣٣) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٣٠٥٧٦، ٣٥٩٢٦) والطبري في «التفسير» (١٦/ ١٩١).
(٢) بعده في «ح»: «أنه». وهي زائدة.
(٣) «ح»: «من الضلال». والمثبت هو الصواب.