للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثَّاني والأربعون: أن المعارضين بين العقل والنقل وبين ما أخبر به الرَّسول قد اعترفوا بأن العلم بانتفاء المعارض مطلقًا لا سبيل إليه؛ إذ (١) ما من معارضٍ بنفسه إلَّا ويحتمل أن يكون له معارضٌ آخر، وهذا ممَّا اعتمد عليه صاحب «نهاية العقول» (٢) وجعل السمعيات لا يُحتجُّ بها على العلم بحال. وحاصل هذا أنا لا نعلم ثبوت ما أخبر به الرَّسول حتى نعلم انتفاء ما يعارضه، ولا سبيل إلى العلم بانتفاء المعارض مطلقًا لِمَا تقدَّم، وأيضًا فلا يلزم من انتفاء العلم بالمعارض العلمُ (٣) بانتفاء المعارض. ولا ريب أن هذا القول من أفسد أقوال العالم، وهو من أعظم أصول أهل الإلحاد والزندقة، وليس في عزل الوحي عن مرتبته أبلغ من هذا.

الوجه الثَّالث والأربعون: أن الله سبحانه قد أخبر في كتابه أن ما على (٤) الرَّسول: البلاغ المبين، فقال تعالى: {وَمَا عَلَى اَلرَّسُولِ إِلَّا اَلْبَلَاغُ اُلْمُبِينُ} [النور: ٥٢] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: ٦٩] وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]. وقد شهد الله له ـ وكفى به شهيدًا ـ بالبلاغ الذي أُمر به، فقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} [الذَّاريات: ٥٤]. وشهد له أَعقَلُ الخلق وأفضلهم وأعلمهم بأنه قد بَلَّغَ، فأشهد اللهَ عليهم بذلك في أعظم


(١) «ح»: «إذا». والمثبت من «م».
(٢) أي: الفخر الرازي.
(٣) «ح»: «بالعلم». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «على أن». والمثبت من «م».