فدعواكم من جنس دعواهم، لا فرق بينهما، فما الذي جعل قولكم أولى بالصواب من قولهم؟
وأتباع الرسول وحزبه العالمون بما جاء به ـ الذين هم خاصته ـ يعلمون بالاضطرار من دينه أنه جاء بما يخالف تأويلاتكم وتأويلات إخوانكم، ويعلمون بالضرورة أنها مناقضةٌ لما جاء به مناقضةً ظاهرةً، ولا يدَّعون عليكم أنكم تعلمون ذلك؛ فإنكم لا علم لكم بما جاء به، وأنتم من أبعد الناس عنه. فإذا قلتم: لا نعلم أنه جاء به صدَّقوكم في ذلك، ولكن جهلكم بما جاء به وإعراضكم عنه، لا يوجب مشاركتهم لكم في هذا الجهل.
فالمثبتون لعلوِّ الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وتكلمه بالقرآن حقيقة، وتكليمه لعبده موسى حقيقة منه إليه بلا واسطةٍ كلامًا أسمعه إياه، وتكليمه عباده في الآخرة، وتكليمه ملائكته، وإثبات صفاته، ورؤية المؤمنين له في الجنة من فوقهم عيانًا جهرة بأبصارهم = يعلمون أن نبيَّهم جاء بذلك ضرورةً، كما أنه جاء بالوضوء والغسل من الجنابة والصلاة وصوم رمضان والحج والزكاة وتحريم الظلم والفواحش، فكيف تنكرون ذلك لعدم علمكم؟
ولما علم أئمة هؤلاء وفضلاؤهم أن هذا لازم لا محالة صرحوا بأنه لا يُستفاد من السمعيات علمٌ ولا يقينٌ؛ إذ هي موقوفة على أمور عشرة، ومنها نفي المعارض العقلي، ولا سبيل إلى العلم بانتفائه، وهذا أتم ما يكون من عزل الرسول عن موجب رسالته، وبالله التوفيق.
الوجه الثامن عشر بعد المائة: أن هؤلاء المُعرِضين عن الأدلة السمعية المعارضين لها إذا فعلوا ذلك لم يبق لهم إلَّا طريقان: إمَّا طريق النظار وهي