للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقسمان يُفيدان اليقين والقطع بمراد المتكلِّم.

وأمَّا القسم الثَّالث: إذا أُحْسِنَ ردُّه إلى القسمين قبله عُرف مراد المتكلِّم منه.

فالأول يُفيد اليقين بنفسه، والثَّاني يُفيده باطِّراده في موارد استعماله، والثَّالث يفيده إحسان ردِّه إلى القسمين قبله. وهذا ظاهر جدًّا لمن له عنايةٌ بالقرآن وألفاظه ومعانيه، واقتباس المعارف واليقين منه. فاستفادته اليقين من أدلته أعظم من استفادة كل طالب علمٍ اليقينَ من موادِّ عِلْمِه وبراهينه.

الوجه السَّابع والعشرون: أن الذي حال بين هؤلاء وبين استفادتهم (١) اليقينَ من كلام الله ورسوله أن كثيرًا من ألفاظ القرآن والسُّنَّة قد صار لها معانٍ، اصطلح عليها النُّظار والمتكلِّمون وغيرهم، وأُلِفَ ذلك الاصطلاح، وجرى عليه النَّشءُ، وصار هو المقصودَ بالتَّخاطب، وإليه التَّحاكم، فصار كثيرٌ من النَّاس لا يعرف سواه. فلمَّا أرادوا أن يُطابقوا بين معاني ألفاظ القرآن وبين تلك المعاني التي اصطلحوا عليها أَعجَزَهم ذلك، فمرةً قالوا: ألفاظ القرآن مجازٌ، ومرةً طلبوا لها وجوهَ التأويل، ومرةً قالوا: لا تُفيد اليقين، ومرةً جعلوها وقفًا تُتلى في الصَّلاة، ويُتبرَّك بقراءتها، ولا يُتحاكم إليها.

مثال ذلك: لفظ الجسم في القرآن هو البدن، كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: ٤]. وهم اصطلحوا على تسمية كل قائمٍ بنفسه جسمًا، مرئيًّا كان أو غير مرئيٍّ، وسَمَّوا الموصوف بالصِّفات جسمًا، وسَمَّوْا مَن له وجهٌ ويدانِ جسمًا، ثم نَفَوا الجسم عن (٢) الصَّانع،


(١) «ب»: «استفادته» مفردًا، والسياق يقتضي الجمع.
(٢) «ب»: «على». والمثبت هو الصواب.