للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوهموا أنهم ينفون معناه لغةً، وقَصْدُهم نَفْيُ معناه اصطلاحًا، فسَمَّوْه بخلاف اسمه في اللغة، ونَفَوْا به ما أثبته الرَّبُّ لنفسه من صفات الكمال.

وكذلك سَمَّوْا صفاته [ب ٨٦ ب] أعراضًا، ثم نَفَوْا عنه الأعراض بالمعنى الذي اصطلحوا عليه، لا بالمعنى الذي وُضِعَتْ له ألفاظ الأعراض في اللغة.

وكذلك سَمَّوْا أفعاله حوادثَ، ثم نَفَوْها عنه بالمعنى الذي اصطلحوا عليه لا بمعناه في اللغة، فإن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَعَنَ اللهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» (١). وقال: «إِيَّاكُمْ وَالْحَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ» (٢). وقال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (٣). فإذا قالوا: لا تَحِلُّه الحوادث. أوهموا النَّاس هذه الحوادث، ومرادهم أنه لا يتكلَّم ولا يُكلِّم، ولا يرى ولا يَسمع، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويًا، ولا ينزل كل ليلةٍ إلى سماء الدُّنيا، ولا يُنادِي عبادَه يوم القيامة، ولا يشاء مشيئةً، إلى أمثال ذلك.

وكذلك لفظ الاستواء حقيقةٌ في العلوِّ، ثم حَدَثَ له معنى الاستيلاء في قول الشَّاعر إن كان قاله (٤):


(١) أخرجه البخاري (٧٣٠٦) ومسلم (١٣٦٦).
(٢) لم نقف عليه مرفوعًا بهذا اللفظ، وإنما وقفنا عليه من كلام عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -، أخرجه الإمام أحمد (٢٠٥٥٩) والترمذي (٢٤٤) وابن ماجه (٨١٥) وقال الترمذي: «حديث حسن».
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٥٤) ومسلم (٢٢٥).
(٤) صدر بيت، وعجزه:
مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مُهْرَاقِ
يُنسب للأخطل النصراني، وليس في «ديوانه»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٥/ ١٤٦): «ولم يثبت نقلٌ صحيحٌ أنه شعرٌ عربيٌّ، وكان غير واحدٍ من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنه بيتٌ مصنوعٌ، لا يُعرف في اللغة، وقد عُلم أنه لو احتج بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يُعرف إسنادُه، وقد طَعن فيه أئمة اللغة».