للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسير، وألَّا يُقتل مسلمٌ بكافر». وهذا الحديث متفق على صحته (١)، وفي لفظ في «الصحيح» (٢): «عهد إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا لم يعهده إلى النَّاس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة».

الوجه الخامس والتسعون: أن الله سبحانه أنزل كتبه حاكمةً بين النَّاس فيما اختلفوا فيه. قال الله تعالى: {* كَانَ اَلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اَللَّهُ اُلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ اُلْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ فِيمَا اَخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١١] وقال تعالى: {* إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ اَلْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِمَا أَراكَ اَللَّهُ} [النساء: ١٠٤] وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللَّهِ وَاَلرَّسُولِ} [النساء: ٥٨].

فكيف يحكم بين النَّاس في مواطن الخلاف والنزاع كلامٌ وخطابٌ ليس فيه علمٌ ولا هدًى ينتفع به أولو الألباب، كما زعم هؤلاء أن الكتب الإلهية لا يُحتج بها في مثل هذه الأبواب، فكيف تكون حاكمة بين النَّاس فيما اختلفوا فيه؟! وأي اختلافٍ أعظم من الاختلاف في أجلِّ الأمور، وهو معرفة الله تعالى واليوم الآخر، والخلاف الحقيقي إنما يكون في الأمور العلمية والقضايا الخبرية التي لا تقبل النسخ والتغيير، فأمَّا العمليات التي تقبل النسخ فتلك تنوع في الشريعة الواحدة، فكيف بالشرائع المتنوعة! وما جاز تنوعه لم يكن الخلاف فيه حقيقيًّا، فإنهما إن كانا مشروعين في وقتين أو برسولين فكلاهما حقٌّ، وإن كان الخلاف في المشروع منهما أيهما هو، فهذا يُعلم بالخبر المنقول عن الصَّادق. وحينئذٍ فنقول في:


(١) تقدم تخريجه.
(٢) «صحيح البخاري» (٣٠٤٧، ٦٩٠٣، ٦٩١٥).