للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يُعرِّفه مدلول الألفاظ التي صاغ بها الدليل العقلي، فعلمه بمدلول الدليل السمعي الدَّال على مقتضى الدليل العقلي أسبق إليه وأيسر عليه. وهذا هو الترتيب الطبيعي الموجود في النَّاس، كما يُخاطِب المُعلِّم المتعلِّم (١) بالألفاظ الدَّالة على الدليل العقلي، فلا بدَّ أن يَعرِف مدلول تلك الألفاظ أولًا، ثم يُرتِّب مدلولها في ذهنه ترتيبًا (٢) ينتج له العلم بالنتيجة.

وليس أحدٌ من البشر يستغني عن التعلم السمعي، كيف وآدم أبوهم أول مَن علَّمه الله أصول الأدلة السمعية، وهي الأسماء كلها، وكلَّمه قَبِيلًا (٣)، ونبَّأه وعلَّمه بخطاب الوحي ما لم يَعلَمه بمجرد العقل (٤). وهكذا جميع الأنبياء من ذريته علَّمهم بالأدلة السمعية ـ وهي الوحي ـ ما لم يعلموه بمجرد عقولهم، وحصل لهم من اليقين والعلم بالأدلة السمعية ـ التي هي خطاب الله لهم ـ ما لم يحصل لهم بمجرد العقل، وأحيلوا هم وأُممهم على الأدلة (٥) السمعية، ولم يُحالوا على العقل، وهداهم الله بالأدلة السمعية لا بمجرد العقل، وأقام حجَّته على أُممهم بالأدلة السمعية لا بالعقل. يُوضِّحه:

الوجه التَّاسع والخمسون: وهو ما اتفق (٦) عليه أهل المِلَل أن النُّبوَّة


(١) «ح»: «العلم للمتعلم». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «تركيبًا».
(٣) أي: عيانًا ومقابلةً، لا من وراء حجاب، ومن غير أن يُولي كلامه أحدًا من ملائكته. «النهاية في غريب الحديث» (٤/ ٨) و «لسان العرب» (١١/ ٥٣٨).
(٤) «ح»: «العقلي». ولعل المثبت هو الصواب.
(٥) «ح»: «أدلة».
(٦) «ح»: «اتفقت».