للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالسيف والسنان، وجندًا تغزو علماءهم بالحجة والبرهان.

ثم نبغت نابغةٌ منهم في رأس القرن الثَّامن (١)، فأقام الله لدينه شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيميَّة ـ قدَّس الله روحه ـ فأقام على غزوهم مدة حياته، باليد والقلب واللسان، وكشف للناس باطلهم، وبيَّن تلبيسهم وتدليسهم، وقابلهم بصريح المعقول، وصحيح المنقول، وشفى واشتفى. وبيَّن مناقضتهم ومفارقتهم لحكم العقل، الذي به يُدِلُّون، وإليه يدعون، وأنهم أترك النَّاس لأحكامه وقضاياه، فلا وحي ولا عقل، فأرداهم في حُفَرهم، ورشقهم بسهامهم. وبيَّن أن صحيح معقولاتهم خَدَمٌ لنصوص الأنبياء، شاهدة لها بالصحة. وتفصيل هذه الجملة موجودة في كتبه، فمن نصح نفسه ورغب عن قوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: ٢٢] يتبيَّن له حقيقة الأمر: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اِللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور: ٣٩].

والمقصود أن كل بليةٍ طرقت العالم عامَّةً أو خاصَّةً فأصلها من معارضة الوحي بالعقل، وتقديم الهوى على الأمر، والمعصوم من عصمه الله.

الوجه التَّاسع والثمانون: أنه قد ثبت بالعقل الصريح والنقل الصحيح ثبوت صفات الكمال للربِّ سبحانه، وأنه أحق بالكمال من كل ما سواه، وأنه يجب أن تكون القوة كلها له، والعزة كلها له، والعلم كله له، والقدرة كلها له، والجمال كله له، وكذلك سائر صفات الكمال. وقام البرهان السمعي والعقلي على أنه يمتنع أن يشترك في الكمال التَّام اثنان، وأن الكمال التَّام


(١) «م»: «السابع».