للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يكون إلَّا لواحدٍ. وهاتان مقدمتان يقينيتان معلومتان بصريح العقل، وجاءت نصوص الأنبياء مفصلةً لما في صريح العقل إدراكه قطعًا، فاتفق على ذلك العقل والنقل.

قال تعالى: {وَلَوْ يَرَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ اَلْعَذَابَ أَنَّ اَلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة: ١٦٤]. وقد اختُلف في تعلُّق قوله: {أَنَّ اَلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} بماذا؛ فقالت طائفة: هو مفعول (١) {يَرَى} أي: ولو يرون أن القوة لله جميعًا لما عصوه، ولما كذَّبوا رسله، وقدَّموا عقولهم على وحيه. وقالت طائفة: بل المعنى لأن القوة لله جميعًا، وجواب {لَوْ} محذوفٌ على التقديرين، أي: لو يرى هؤلاء حالهم وما أعدَّ الله لهم إذ يرون العذاب لرأوا أمرًا عظيمًا، ثم قال: {أَنَّ اَلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} وهو متضمن للتهديد الشديد والوعيد (٢).

وقال تعالى: {بَل لِّلَّهِ اِلْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٣٢] وقال: {إِنَّ اَلْأَمْرَ كُلُّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء الاستفتاح: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ (٣)» (٤). وفي الأثر الآخر: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» (٥). فلله سبحانه كل


(١) «ح»: «منقول». وهو تصحيف، والمثبت من «م».
(٢) ينظر: «التفسير البسيط» للواحدي (٣/ ٤٧١ - ٤٧٧).
(٣) «م»: «في يديك». وكذا في «صحيح مسلم».
(٤) أخرجه مسلم (٧٧١) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٥) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (٢٣٨٣٥) وعبد الرزاق في «المصنف» (٥١٤٢، ٧٩٤٩) وابن أبي الدنيا في «الهواتف» (ص ٦١) والطبراني في «الدعاء» (١٧٤٦) عن رجل عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - مرفوعًا، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ٩٦ (: «رواه أحمد، وفيه راوٍ لم يسم، وبقية رجاله ثقات». وينظر «السلسلة الضعيفة» (٦٨٥٠).
وله شاهد أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٤٠٨٧) عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
وشاهد آخر أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» ـ كما في «المطالب العالية» (٤٦٢) و «إتحاف الخيرة» (١٢٤٩) ـ والبرقاني ـ كما في «الجمع بين الصحيحين» للحميدي (٣٠١٧) ـ عن رفاعة بن رافع الأنصاري - رضي الله عنه - موقوفًا عليه. قال ابن حجر في «المطالب»: «هذا حديث صحيح، وهو هنا غير مرفوع، وأظن أن حكمه الرفع». وذكر أن البخاري روى طرفًا منه في «صحيحه»، وأن باقيه على شرطه.