للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهم، فيصادم بعضهم بعضًا، ويكسر بعضهم سلاح بعضٍ، وعسكر الإسلام في حصنٍ من الطَّائفتين، ولكن إذا اصطلح العسكران فإنهما يصطلحون على المسلمين. ومن علم ما في الوجود تبيَّن له مطابقة هذا المثال، وبالله التوفيق.

الوجه الثَّالث والتسعون: أن الطريقة التي سلكها نُفاة الصِّفات والعلو والتكليم من معارضة النصوص الإلهية بآرائهم وما يُسمُّونه معقولًا هي بعينها الطريق التي سلكها إخوانهم من الملاحدة في معارضة نصوص المعاد بآرائهم وعقولهم، ومقدماتها مقدماتها، ثم نقلوها بعينها إلى ما أُمروا به من الأعمال كالصلوات الخمس والزكاة والحج والصيام، فجعلوها للعامة دون الخاصة، فآل بهم الأمر إلى أن ألحدوا في الأصول الثلاثة التي اتفق عليها جميع الملل، وجاءت بها جميع الرُّسل، وهي الإيمان بالله [ق ٧٨ أ] واليوم الآخر والأعمال الصَّالحة، قال الله تعالى: {إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَاَلنَّصَارى وَاَلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاَلْيَوْمِ اِلْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦١].

فهؤلاء الملاحدة يحتجون على نُفاة الصِّفات بما وافقوهم عليه من الإعراض عن نصوص الوحي ونفي الصِّفات، كما ذكر ابن سينا في «الرسالة الأضحوية» (١) فإنه قال فيها لما ذكر حجة من أثبت معاد البدن، وأن الدَّاعي لهم إلى ذلك ما ورد به الشرع من بعث الأموات، فقال: «وأمَّا أمر الشرع فينبغي أن يُعلم فيه قانونٌ واحدٌ، وهو أن الشرع والملة الآتية على لسان نبيٍّ من الأنبياء يُرام بها خطاب الجمهور كافة.


(١) «الرسالة الأضحوية» (ص ٩٧ - ١٠٣).