من العقليات التي تقبلها فطر العقلاء السليمة، بل الفطر التي لم تفسد متفقة عليها، ولا ينازع فيها إلَّا من تلقى تعلمًا من غيره، لا من موجب فطرته، فإنما يقدح فيها بمقدمةٍ تقليدية، وهو يدَّعي أنها عقلية فطرية.
ومن تدبَّر ما عند المعارضين ولم يقلدهم فيه تبيَّن له أن جميع المقدمات التي ترجع إليها أدلة المعارضين إنما ترجع إلى تقليدٍ منهم لأسلافهم، لا إلى ما يُعلم بضرورة العقل ولا نظره، فهم يُعارضون ما قامت الأدلة العقلية على ثبوت تصديقه وسلامته من الخطأ بما قامت الأدلة العقلية على أنه لا يجب تصديقه، بل قد عُلم جواز الخطأ عليه، وعُلم وقوع الخطأ فيه فيما هو دون الإلهيات، فضلًا عن الإلهيات التي تُيُقِّن خطأ من خالف الرُّسل فيها بالأدلة المجملة والمفصَّلة، بل يعارضون ما يجب تصديقه بما يُعلم بصريح العقل أنه خطأ، بل يعارضون السمعيات التي يُعلم أن العقل الصريح موافقٌ لها بما يعلم العقل الصريح أنه باطلٌ.
والمقصود أن الطرق التي سلكها الفلاسفة في إبطال الصِّفات والأفعال قد أفسدها عليهم المتكلمون وبيَّنوا خطأهم فيها بصريح العقل، كما هو موجود في كتب هؤلاء وهؤلاء. فانظر ما فعل أبو علي وأبو هاشم والقاضي عبد الجبار والأشعري وأبو بكر بن الباقلاني وأبو الحسين البصري والجويني والغزالي وأمثالهم بطريق الفلاسفة، وانظر ما فعل ابن سينا وابن رشد والطوسي وأمثالهم بطرق المتكلمين؛ فإنك تجد ذلك من أعظم النُّصرة للنصوص النبوية.
والمثال المنطبق عليهم بعسكر الإسلام خرج عليه عسكرٌ كثيفٌ يغزونهم، فخرج على ذلك العدوِّ عدوٌّ من ورائهم، فأقبلوا إليهم واشتغلوا