للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا فريتهم على الفطرة فإن الله فطر عباده على الإقرار بعلوه كما فطرهم على الإقرار بأنه ربهم وخالقهم، فغيَّروا الفطرة وأفسدوها بإنكار ذلك.

وأمَّا فريتهم على اللغة فإنهم أزالوا دلالة الألفاظ الدالة على ذلك دلالة صريحة لا يحتمل غير معناها عن مواضعها، وأنشؤوا لها معاني أُخر حملوها عليها، يقطع من له إلفٌ بتلك اللغة أن المتكلم لم (١) يُرد بتلك الألفاظ ما ذكروه من المعاني؛ كما حملوا قوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠] على معنى قول القائل: الذهب فوق الفضة، والمسك فوق العنبر، أي في القيمة والقدر، ومعلومٌ أن هذا التركيب الخاص لا يحتمل هذا المعنى في لغة أُمةٍ من الأمم، ولا يجوز أن يُراد باللفظ. وكذلك قوله: «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» (٢). فمثل هذا اللفظ إذا حُمل على غير معناه الظاهر لكل أحدٍ كان فريةً على اللغة، كما هو فريةٌ على المتكلم به. وعامة تأويلات النُّفاة المعطلة من هذا الباب لمن تدبَّرها ورُزق هداية وإنصافًا. وأمَّا الأعمى المتبع هواه فكما قال الله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اِللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور: ٣٩].

الوجه التاسع والسبعون بعد المائة: أن المعارضين للوحي بعقولهم في الأصل هم أعداء الرُّسل المكذبون لهم ـ كما تقدم (٣) ـ ودونهم طوائف


(١) «ح»: «لمن». والمثبت هو الصواب.
(٢) متفق عليه، وقد تقدم (ص ٣٢) تخريجه.
(٣) تقدم (ص ٤٩٢).