للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهمية المعطلة، وملاحدة الصوفية، وزنادقة الباطنية، وخونة الولاة وظلمتهم. فالجهمي يقول: قال لي عقلي. وملاحدة المتصوفة يقول قائلهم: قال لي قلبي. وزنادقة الباطنية يقولون: لكل شيء تأويلٌ وباطنٌ يعلمه أهل الباطن وينكره أهل الظاهر. وخونة الولاة يقولون: لا تستقيم أمور الرعية إلَّا بهذه السياسة، ولو وكلناهم إلى الشريعة لفسدت أمورهم.

ولقد وقعتُ على فصلٍ من كلام أبي الوفاء بن عقيل (١) في ذلك، قال: «المتكلمون دققوا (٢) النظر بأدلة العقول فتفلسفوا، والصوفية اهتموا بالمتوهمات على واقعهم فتكهنوا؛ لأن الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهان اعتمدوا على ما يُلقى إليهم من الاطلاع (٣)، وهم جميعًا خوارج على الشرائع. هذا يتجاسر أن يتكلم في المسائل التي فيها صريح نقلٍ بما يُخالف ذلك المنقول، بمقتضى ما يزعم أنه حكم العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربي. فلا على هؤلاء أصبحتُ، ولا على هؤلاء أمسيتُ. لا كان مذهبٌ جار (٤) على غير طريق السُّفراء والرُّسل،


(١) في كتابه «الفنون»، وعنه نقل ابن تيمية في «درء التعارض» (٨/ ٦١ - ٦٨) وقال: «ومن خطه نقلت». والمصنِّف نقله بتصرف.
(٢) في «درء التعارض»: «وقفوا».
(٣) أخرج البخاري (٥٧٦٢) ومسلم (٢٢٢٩) عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: سأل أناسٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليسوا بشيءٍ». قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانًا الشيء يكون حقًّا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تلك الكلمة من الجن، يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».
(٤) في «درء التعارض»: «جاء».