للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتارةً بالدفع والتكذيب إن أمكن، وذلك في نصوص السُّنَّة، وتارةً [ق ٦٥ أ] يدعي ذلك في نصوص القرآن، كما يدَّعيه غُلاة الرَّافضة وكثيرٌ من القرامطة وأشباههم، وهذا كله إنما نشأ من ظنونهم الفاسدة أن العقل الصحيح يُعارض الوحي الصريح.

وأمَّا أهل العلم والإيمان ـ أهل السمع والعقل (١) ـ فعندهم أن فرض هذه المسألة محالٌ، وأن فرضها كفرض مسألة إذا تعارض العقل وأدلة ثبوت النُّبوة والرِّسالة، وإذا تعارض العقل وأدلة ثبوت الخالق وتوحيده، والمعارضة بين العقل والوحي كالمعارضة بين العقل وإثبات الصَّانع وتوحيده ورسالة رسله، ولهذا طرَدوا منع هذه القاعدة في ذلك الأصل، وقالوا (٢): الباب كله واحدٌ.

الوجه الرَّابع والستون: أن هؤلاء المعارضين للوحي بالعقل بنوا أمرهم على أصلٍ فاسدٍ، وهو (٣) أنهم جعلوا أقوالهم ـ التي ابتدعوها، وجعلوها أصول دينهم ومعتقدهم في ربِّ العالمين ـ هي المُحْكَمة، وجعلوا قول الله ورسوله هو المتشابه الذي لا يُستفاد منه علمٌ ولا يقينٌ. فجعلوا المتشابه من كلامهم هو المُحْكم، والمُحْكم من كلام الله ورسوله هو المتشابه، ثم ردُّوا متشابه الوحي إلى محكم كلامهم وقواعدهم.

وهذا كما جعلوا ما أحدثوه من الأصول ـ التي نفوا بها صفات الربِّ جل جلاله، ونعوت كماله، ونفوا بها كلامه وتكليمه، وعلوَّه على عرشه، ورؤيته


(١) يعني: العقل الصحيح المستقيم، لا العقل الزائف المدَّعى.
(٢) «ح»: «قال».
(٣) «ح»: «وهم».