للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتعارُض قد يقع في الدليلين، وقد يقع في الدلالتين (١). والفرق بينهما أن تَعارُض الدليلين يكون مع اعتقاد دلالة كل واحدٍ منهما على مطلوبه، وتَعارُض الدلالتين يقع في الدليل الواحد فيكون له وجهان، ثم قد يعتقد رجحان المعارض، فيصير إلى الراجح، وقد لا يتبين له الرجحان، فيتوقف.

وقد يَترك الحديث لظنِّه انعقاد الإجماع على خلافه؛ إذ (٢) لم يبلغه الخلاف، ويكون إنما معه عدم العلم بالمخالف، لا العلم بوجود (٣) المخالف. وهذا العذر لم يكن أحدٌ من الأئمة والسلف يصير إليه، وإنما لَهِجَ به المتأخرون. وقد أنكره أشدَّ الإنكار الشافعي والإمام أحمد، وقال الشافعي: «ما لا يُعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع» (٤)، هذا لفظه (٥). وأمَّا الإمام أحمد فقال: «مَن ادَّعى الإجماع فقد كَذَبَ، وما يدريه لعل الناس اختلفوا» (٦). وقد كتبتُ نصوصه ونصوص الشافعي في غير هذا الموضع (٧).

ولا خلاف بين الأئمة أنه إذا صحَّ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم (٨) يكن


(١) «ح»: «الرابع أن يتعارض عنده الدليلين».
(٢) «ب»: «إذا».
(٣) «ح»: «فوجود». والعبارة مشكلة، تبدو لي مقلوبة، وصوابها فيما أظن: «ويكون ما معه عدم العلم بالمخالف لا العلم بعدم المخالف».
(٤) ينظر «الأم» (٨/ ٥٥٢، ٩/ ٣٠).
(٥) «هذا لفظه» ليس في «ب».
(٦) «مسائل عبد الله بن أحمد» (١٥٨٧).
(٧) ينظر «أعلام الموقعين» (١/ ٦١ - ٦٢).
(٨) «لم». سقط من «ح».