للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإطلاق. فلو كان فيه ما يخالف صريح العقل لكان فيه أعظم الريب، ولما اطمأنت به القلوب ولا ثلجت به الصدور. وقد قال تعالى: {اَلَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اِللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اِللَّهِ تَطْمَئِنُّ اُلْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٩] وذِكْرُه هاهنا هو كتابه (١)، وهو الذكر الحكيم.

فكيف يجوز على أعقل الأُمم وأفضلها أن تطمئن قلوبهم بما يخالف العقل الصريح؟ وهل هذا إلَّا قدحٌ في عقولهم، كما هو قدح في نبيهم، وفي كتابهم، ومن تكلَّم به وجعله هدًى وشفاءً ورحمةً وعصمةً ونورًا وروحًا! والله ورسوله وملائكته وأولو العلم يعلمون أن كلام هؤلاء المعطلة النُّفاة ـ المعارضين للوحي بعقولهم وآرائه ـ فيه أعظم الريب وأبعد شيءٍ عن طمأنينة القلوب به وسكونها إليه وأشد شيءٍ مخالفة للمعقول الصريح. وهذه سُنة الله في خلقه أن أنقص الناس عقولًا وأعظمهم سفهًا يرمون أعقل الخلق وأفضلهم بنقصان العقول. ولا تنس قول أعداء الرُّسل في الرُّسل أنهم مجانين لا عقول لهم، فهكذا ورثتهم يرمون ورثة الرُّسل بدائهم إلى يوم القيامة. يوضحه:

الوجه السابع والثلاثون بعد المائتين: أنه لو كان ظاهر الكتاب مخالفًا لصريح المعقول لكان في الصدور أعظم حرجٍ منه وضيق. وهذا خلاف المشهود بالباطن لكل ذي عقلٍ سليمٍ، فإنه كلما كان الرجل أتم عقلًا كان الحرج بالكتاب أبعد منه. قال تعالى لرسوله: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [الأعراف: ١] والله تعالى رفع الحرج عن الصدور


(١) «ح»: «كناية». وهو تصحيف، وقد مر (ص ٧٣٨) على الصواب في تفسير المصنف لهذه الآية في الوجه الحادي والمائة.