للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكتابه وكانت قبل إنزال الكتاب في أعظم الحرج والضيق، فلمَّا أنزل كتابه ارتفع به عنها ذلك الحرج، وبقي الحرج والضيق على من لم يؤمن به كما قال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اِللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٦].

ومن آمن به من وجهٍ دون وجهٍ ارتفع عنه الحرج والضيق من الوجه الذي آمن به دون ذلك الوجه. فمن أقرَّ أنه منزلٌ من عند الله أنزله على رسوله ولم يُقرَّ بأنه كلامه الذي تكلَّم به بل جعله مخلوقًا من جملة مخلوقاته؛ كان في صدره من الضيق والحرج ما يناسب ذلك. ومن أقرَّ بأنه تكلم بشطره وهو المعاني دون شطره الآخر وهو حروفه كان (١) في صدره من الحرج منه ما يناسب ذلك. ومن [اعتقد] (٢) أنه غير كافٍ في معرفة الحقِّ وأن العباد يحتاجون معه إلى معقولات وآراء ومقاييس وقواعد منطقية ومباحث عقلية ففي صدره منه أعظم حرج. وأعظم حرجًا منه من اعتقد أن فيه ما يناقض العقل الصريح ويشهد العقل بخلافه، وكذلك من زعم أن آياته لا يُستفاد منها علمٌ ولا يقينٌ ففي صدره منه من الحرج ما الله به عليم. ومن زعم أن الخطاب به خطابٌ جمهوريٌّ يُخيل للعامة ما ينتفعون به ممَّا ليس له حقيقة في نفس الأمر ففي صدره منه أعظم حرج. ومن زعم أن أجلَّ ما فيه وأشرفه وأفضله وهو قسم التوحيد المتضمن للأسماء والصفات مجازاتٌ واستعاراتٌ وتشبيهاتٌ لا حقائق ففي صدره منه أعظم حرجٍ، فكل هذه الطوائف في صدرهم منه حرجٌ وريبٌ، وليس في حقهم هدًى ولا شفاء


(١) «ح»: «لكان».
(٢) سقط من «ح».