للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن قلتم: له معانٍ ظاهرةٌ مفهومةٌ أراد من العباد نفيها وإنكارها وعدم اعتقادها ـ وهذا هو حقيقة قولكم ـ لزمكم نسبة الله ورسوله إلى ما لا يليق بآحاد العقلاء، فضلًا عن ربِّ الأرض والسماء، وخاتم الرسل وسيد الأنبياء؛ فإنه يكون قد خاطبهم بإثبات ما أراد منهم نفيه، وتحقيق ما أراد منهم إبطاله، وعرضهم لأنواع الكفر والضلال والتشبيه؛ وكان بمنزلة من أراد أن يصف لعليل دواءً يستشفي به، فوصف له دواءً قاتلًا، وأخبره أن فيه الشفاء والعافية، وأراد منه أن يأخذ من ألفاظ ذلك الدواء ما لا يدل عليه بل على خلافه! فهل يكون هذا المداوي إلَّا من أجهل الناس وأعظمهم تلبيسًا وتدليسًا؟ فلا بد لكم من أحد هذه الأقسام المذكورة، فإن كان هاهنا قسمٌ آخر فبيِّنوه وبيِّنوا صحته. يوضحه:

الوجه الثاني والثلاثون بعد المائتين: وهو أن الأدلة العقلية التي زعمتم أنها تعارض النقل وتنفي موجبه هي بعينها تنفي المعاني التي تأولتم النقل عليها، وصرفتم معناه إليها، فإنكم لا يمكنكم تعطيل دلالة النصوص بالكلية وجعلها بمنزلة الكلام المهمل الذي لم يستعمله العقلاء، بل لا بد لكم من حملها على معانٍ أُخر غير حقائقها التي دلَّت عليها، وحينئذٍ فالأدلة العقلية التي نفيتم بها حقائق النصوص تنفي تلك المعاني التي تأولتموها عليها بعينها.

مثاله: أنكم تأولتم الرحمة والرأفة بالإرادة، وزعمتم أن الدليل العقلي يقتضي نفي الرحمة والرأفة حقيقة، وهو إمَّا دليل الأعراض، وإمَّا دليل التركيب، وإمَّا الدليل الذي ينفي التجسيم والتشبيه، وإمَّا دليل التوحيد الذي ينفي ثبوت شيءٍ من الصِّفات، وإمَّا دليل امتناع الكيفيات النفسانية عليه،