للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيانه للوسيلة ولا نتيقَّن بيانه للمقصود، وهل هذا إلَّا من أَبيَنِ المحال؟! فإن جاز عليه ألَّا يُبِين المراد من ألفاظ القرآن، جاز عليه ألَّا يُبِين بعض ألفاظه، فلو كان المراد منها خلاف حقائقها وظواهرها ومدلولاتها، وقد كتمه عن الأُمة ولم يبيِّنه لها، كان ذلك قدحًا في رسالته وعصمته، وفتحًا للزنادقة والملاحدة من الرَّافضة وإخوانهم باب كتمان بعض ما أُنزل عليه، وهذا منافٍ للإيمان به وبرسالته. يوضِّحُه:

الوجه السَّابع والأربعون: أن القائل بأن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، إمَّا أن يقول (١): إنها تفيد ظنًّا، أو لا تفيد علمًا ولا ظنًّا.

فإن قال: لا تفيد علمًا ولا ظنًّا، فهو مع مكابرته للعقل والسمع والفطرة الإنسانية من أعظم [ق ٣٨ أ] النَّاس كفرًا وإلحادًا.

وإن قال: بل تفيد ظنًّا غالبًا، وإن لم تُفِدْ يقينًا.

قيل له: فالله سبحانه قد ذمَّ الظنَّ المجرد وأهلَه، فقال تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَإِنَّ اَلظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ اَلْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] فأخبر أن الظنَّ لا يُوافق الحق ولا يُطابقه. وقال تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى اَلْأَنفُسُ وَلَقَد جَّاءَهُم مِّن رَّبِّهِمِ اِلْهُدى} [النجم: ٢٣]. وقال أهل النَّار: {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: ٣١].

فلو كان ما أخبر اللَّه به عن أسمائه وصفاته واليوم الآخر وأحوال الأمم وعقوباتهم لا تفيد إلَّا ظنًّا، لكان المؤمنون إن يظنُّون إلَّا ظنًّا وما هم بمستيقنين (٢)، ولكان قوله تعالى عنهم: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: ٣]


(١) «ح»: «قبول». والمثبت من «م».
(٢) من قوله: «فلو كان ما أخبر» إلى هنا سقط من «ح». وأثبتُّه من «م».