خبرًا غير مطابقٍ، فإن عِلْمَهم بالآخرة إنما استفادوه من الأدلة اللفظية، لا سيما وجمهور المتكلمين يُصرِّحون بأن المعاد إنما عُلم بالنقل.
فإذا كان النقل لا يفيد يقينًا، لم يكن في الأُمة من يُوقن بالآخرة؛ إذ الأدلة العقلية لا مدخل لها فيها، وكفى بهذا بطلانًا وفسادًا؛ فإنه سبحانه لم يَكتَفِ من عباده بالظنِّ، بل أمرهم بالعلم، كقوله:{فَاَعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ}[محمد: ٢٠] وقوله: {اِعْلَمُوا أَنَّ اَللَّهَ شَدِيدُ اُلْعِقَابِ وَأَنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: ١٠٠] وقوله: {وَاَتَّقُوا اُللَّهَ وَاَعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ}[البقرة: ٢٢١] ونظائر ذلك. وإنما يجوز اتباع الظنِّ في بعض المواضع للحاجة، كحادثة يخفى على المجتهد حُكْمُها، أو في الأمور الجزئية كتقويم السِّلَع ونحوه.
وأمَّا ما بيَّنه الله في كتابه وعلى لسان رسوله فمَن لم يتيقَّنْه بل ظنَّه ظنًّا فهو من أهل الوعيد، ليس من أهل الإيمان. فلو كانت الأدلة اللفظية لا تُفيد اليقين لكان ما بيَّنه الله ورسوله بالكتاب والسُّنَّة لم يتيقنه أحدٌ من الأُمة.
الوجه الثَّامن والأربعون: أن الله سبحانه أخبر أن قلوب المؤمنين مطمئنَّة بذِكْره، وهو كتابه الذي هدى به عباده؛ فقال تعالى: {وَيَقُولُ اُلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اَللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٨ ) اَلَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اِللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اِللَّهِ تَطْمَئِنُّ اُلْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨ - ٢٩]. أجابهم سبحانه عن سؤالهم تركَ إنزال آيات الاقتراح بجوابين:
أحدهما: أنها لا تُوجب إيمانًا، بل الله هو الذي يهدي من يشاء ويُضِلُّ مَن يشاء، لا الآيات التي اقترحتموها.