للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثمانون: أن كل من عارض بين الوحي والعقل وردَّ نصوص الكتاب والسُّنَّة بالرَّأي ـ الذي يُسمِّيه عقلًا ـ لا بد أن يبغض (١) تلك النصوص المخالفة لعقله ويُعاديها، ويود أنها لم تكن جاءت، وإذا سمعها وجد لها على قلبه من الثقل والكراهة بحسب حاله، واشمأز لها قلبه، والله يعلم ذلك من قلوبهم، وهم يعلمونه أيضًا، حتى حمل جهمًا الإنكارُ والبُغْض لقوله: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] على أن قال: «لو أمكنني كَشْطها من المصحف كشطتها» (٢).

وحمل آخَرَ (٣) بُغْضُ قوله: {وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٣] على أن حرَّفها وقرأها بالنصب، وكلَّم اللهَ موسى تكليمًا، أي أن موسى هو الذي كلَّم الله وخاطبه، والله لم يكلمه (٤). فقال له أبو عمرو بن العلاء: فكيف تصنع بقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: ١٤٣]؟! فبُهت المعطِّل.

وجرى بيني وبين بعض رؤساء هؤلاء مناظرة في مسألة الكلام، فقال: نحن وسائر الأمة نقول: القرآن كلام الله لا يُنازع في هذه الإضافة أحدٌ، ولكن


(١) «ح»: «ينقض». والمثبت هو الموافق للسياق.
(٢) أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (٧٠).
(٣) «ح»: «أخرى». والمثبت هو الصواب. وهو عمرو بن عبيد، قد سمَّاه ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» (٣/ ٣٠٣).
(٤) أخرج ابن مردويه عن عبد الجبار بن عبد الله قال: جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال: سمعت رجلًا يقرأ: «وكلم اللهَ موسى تكليمًا» فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا كافر. قال ابن كثير: وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش - رحمه الله - على من قرأ كذلك لأنه حرَّف لفظ القرآن ومعناه. «تفسير ابن كثير» (٢/ ٤٧٤).