للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يلزم منها أن يكون الله بنفسه متكلِّمًا، ولا أنه يتكلم، فمن أين لكم ذلك؟ فقال له بعض من كان معي من أصحابنا: قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ» (١). وقالت عائشة: «ولَشأني كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحيٍ يُتلى» (٢). فرأيت الجهمي قد عَبَس وبَسَر وكَلَح (٣)، وزوى وجهه عنه، كالذي شمَّ رائحةً كريهةً أعرض عنها بوجهه، أو ذاق طعامًا كريهًا مُرًّا مذاقه.

وهذا أمرٌ (٤) لم يزل عليه كل مبطلٍ إذا واجهته بالحق المخالف له وصدمته به، وقلَّ من يتصبَّر منهم عند الصدمة الأولى. ولهذا قال بعض السلف (٥): «ما ابتدع أحدٌ بدعةً إلَّا خرجت حلاوة الحديث من قلبه».

وقال بعض رؤساء الجهمية ـ إمَّا بشر المريسي أو غيره (٦) ـ: «ليس شيءٌ أبغضَ لقولنا من القرآن، فأقِرُّوا به ثم أوِّلوه». وقال بشرٌ أيضًا (٧): «إذا احتجوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار فادفعوها بالتكذيب». وقال الإمام أحمد: «قلَّ من نظر في الكلام إلَّا وفي قلبه غلٌّ على الإسلام» (٨).


(١) تقدم (ص ٥٤ - ٥٥) تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٦١) ومسلم (٢٧٧٠).
(٣) عَبَسَ يَعْبِس عبوسًا فهو عابس الوجه غضبان، فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قلت: كَلَح. وإن اهتمَّ لذلك وفكر فيه قلت: بَسَرَ. «العين» (١/ ٣٤٣).
(٤) «ح»: «أمره».
(٥) هو أحمد بن سنان القطان، كما في «ذم الكلام» للهروي (٢٢٩) و «شرف أصحاب الحديث» للخطيب البغدادي (ص ٧٣).
(٦) كذا نسبه ابن تيمية في «درء التعارض» (٥/ ٢١٧) لبشر أو غيره.
(٧) نقله عنه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في «النقض» (٢/ ٨٦٨).
(٨) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (٢/ ٩٣٩) و «تحريم النظر في كتب أهل الكلام» لابن قدامة (ص ٤١).