للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثَّالث والأربعون: أن العقل تحت حَجْر (١) الشرع فيما يطلبه ويأمر به، وفيما يحكم به ويُخبر عنه، فهو محجورٌ عليه في الطلب والخبر، وكما أن من عارض أمر الرُّسل بعقله لم يُؤمن بهم وبما جاؤوا به؛ فكذلك من عارض [ق ٥٣ ب] خبرهم بعقله، ولا فرق بين الأمرين أصلًا. يُوضِّحه أن الله سبحانه وتعالى حكى عن الكفار معارضة أمره بعقولهم، كما حكى عنهم معارضة خبره بعقولهم.

أمَّا الأول: ففي قوله تعالى: {اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ اَلرِّبَاا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ اُلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اُلشَّيْطَانُ مِنَ اَلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا اَلْبَيْعُ مِثْلُ اُلرِّبَاا وَأَحَلَّ اَللَّهُ اُلْبَيْعَ وَحَرَّمَ اَلرِّبَاا} [البقرة: ٢٧٤]. فعارضوا تحريمه للرِّبا بعقولهم التي سوَّت بين الرِّبا والبيع، فهذا معارضة النصِّ بالرَّأي.

ونظير ذلك ممَّا عارضوا به تحريم الميتة بقياسها على المذكَّى، وقالوا تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ممَّا قتل الله. وفي ذلك أنزل الله: {وَإِنَّ اَلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢٢] (٢).

وعارضوا أمره بتحويل القبلة بعقولهم، وقالوا: إن كانت القبلة الأولى حقًّا فقد تركتَ الحقَّ، وإن كانت باطلًا فقد كنتَ على باطلٍ.


(١) الحَجْر: المنع من التصرف، ومنه: حَجَر القاضي على الصغير والسفيه: إذا منعهما من التصرف في مالهما. «النهاية في غريب الحديث» (١/ ٣٤٢).
(٢) أخرجه أبو داود (٢٨١٨، ٢٨١٩) والنسائي في «السنن الكبرى» (٤٥١١) وابن ماجه (٣١٧٣) والحاكم (٤/ ١١٣، ٢٣١، ٢٣٣) والضياء في «المختارة» (١٠/ ٢٥٦ - ٢٥٧) عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -.