للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعكس المستوي (١). وما شاكل هذا ممَّا لا يسمع من مسلمٍ ولا يهوديٍّ ولا نصرانيٍّ ولا مجوسيٍّ إلَّا من رضي لنفسه بما رضي به هؤلاء المتخلفون لأنفسهم، ورغب فيما رغبوا فيه.

وبالجملة فهما طريقان متباينان، فمن أراد أن يتمعقل بعقول هؤلاء فليعزل نظره عن الوحي، ويُخَلِّ بينه وبين أهله، ومن أحب أن يكون من أهل العقل والوحي فليعتصم بالوحي ويستمسك بغَرْز (٢) من جاء به، ويُسلِّم إليه أعظم من تسليم الصبي لأستاذه ومُعلِّمه بكثيرٍ؛ فإن التبايُن الذي بين النَّبي وبين صاحب المعقول أضعاف أضعاف التباين الذي بين الصبي والأستاذ.

ومن العجب أن هؤلاء المقدِّمين عقولهم على الوحي خاضعون لأئمتهم وسلفهم، مستسلمون لهم في أمورٍ كثيرةٍ. يقولون: هم أعلم بها منَّا، وعقولهم أكمل من عقولنا، فليس لنا أن نعترض عليهم. فكيف يعترض على الوحي بعقله مَن نسبته إليه أدق وأقل من نسبة عقل الطفل إلى عقله؟!

وجِمَاع الأمر أن قضايا المعقول مشتملة على العلم والظنِّ والوهم، وقضايا الوحي كلها حقٌّ، فأين قضايا مأخوذة عن عقلٍ قاصرٍ عاجزٍ عرضةٍ للخطأ من قضايا مأخوذة عن خالق العقول وواهبها هي كلامه وصفاته؟!


(١) العكس المستوي: هو عبارة عن جعل الجزء الأول من القضية الحملية ثانيًا، والجزء الثاني أوَّلًا، مع بقاء الصدق والكيف بحالهما، كما إذا أردنا عكس قولنا: كل إنسان حيوان. بدلنا جزأَيْه، وقلنا: بعض الحيوان إنسان. أو عكس قولنا: لا شيء من الإنسان بحجر. قلنا: لا شيء من الحجر بإنسان. «التعريفات» (ص ١٥٩).
(٢) الغَرْز: ركاب كور الجمل، مثل الركاب للسرج، وقوله: يستمسك بغرزه: أي يعتلق به ويمسكه، ويتبع قوله وفعله، ولا يخالفه. «النهاية في غريب الحديث» (٣/ ٣٥٩).