للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبطلُ منه دعواه أن كل مقدمةٍ فهي ظنية، فإن عامة المقدمات التي يتوقَّف عليها فَهْم مراد المتكلم قطعية في الغالب.

وأبطلُ من ذلك دعواه أنه لا يُعلَم المراد إلَّا بعد العلم بانتفاء الدليل الدَّالِّ على نقيضه، فإن هذا باطلٌ قطعًا؛ إذ من المعلوم أن العلم بثبوت أحد الضدين ينفي العلم بثبوت الضد الآخر، فنفس العلم بالمراد ينفي كل احتمال يناقضه.

وهكذا الكلام في نفي المعارض العقلي والسمعي، فإنه إذا علم المراد علم قطعًا أنه لا ينفيه دليلٌ آخر لا عقلي ولا سمعي؛ لأن ذلك نقيضٌ له، وإذا علم ثبوت الشيء علم انتفاء نقيضه. وحينئذٍ فينقلب هذا القانون عليهم بأن نقول: العلم بمدلول كلام الله ورسوله علمٌ يقينيٌّ قطعيٌّ لا يحتمل النقيض، فنحن نستدلُّ على بطلان كل ما يخالفه ويناقضه بثبوت العلم به، فإن ثبوت أحد الضدين يستلزم نفي الضد الآخر، وحينئذٍ فيُقطع ببطلان كل شُبهةٍ عقليةٍ تناقِضُ مدلول كلام الله ورسوله، وإن لم يُنظَر فيها على التفصيل.

وهذا الأصل العظيم أصحُّ من قانونهم، وأقرب إلى العقل والإيمان وتصديق الرُّسل، وإقرار كلام الله ورسوله على حقيقته، وما يظهر منه. يُوضِّحه:

الوجه الحادي والسبعون: وهو أن أرباب هذا القانون الذي منعهم استفادة اليقين من كلام الله ورسوله مضطربون في العقل الذي يعارض النقل أشد اضطراب.

فالفلاسفة ـ مع شدة اعتنائهم بالمعقولات ـ أشدُّ النَّاس اضطرابًا في هذا الباب من طوائف أهل الملل، ومن أراد معرفة ذلك فلْيقِف على مقالاتهم في