للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدحة منه، والغيرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهة، فيستحيل وصفه عندهم بذلك. ومعلومٌ أن هذه الصِّفات من صفات الكمال المحمودة عقلًا وشرعًا وعُرفًا وفطرةً، وأضدادها مذمومةٌ عقلًا وشرعًا وعُرفًا وفطرة، فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشة وتركها مذموم غاية الذم، مستحقٌّ للاسم (١) القبيح.

وهؤلاء المعطلة النُّفاة لحقيقة محبته ورضاه وغضبه عندهم الأمران سواء بالنسبة إليه، وأن ما وجد من ذلك فهو يحبه ويرضاه، وما لم يوجد من طاعاته وامتثال أوامره فهو يبغضه ويسخطه، بناءً على أصلهم الفاسد أن المحبة هي عين الإرادة والمشيئة، فكل ما شاءه فقد أحبه ورضيه. وإذا جاء هؤلاء إلى النصوص الدالة على أنه لا يرضى بها ولا يحبها ولا يريدها أولوها بمعنى أنه لا يشرعها ولا يأمر بها ولا يحبها ولا يرضاها دينًا، وهو التأويل الأول بتغيير العبارة. وحينئذٍ فنقول في:

الوجه السابع والعشرين: إنه ـ سبحانه عمَّا يقول الجاهلون به ـ إذا كان لا يفرح ولا يرضى بمدحه وحمده والثناء عليه، ولا يغضب ولا يسخط ويبغض شتمه. وما قال فيه أعداؤه، بل نسبة الأمرين إلى ذاته وصفاته بنسبة واحدة؛ إذ لو حصل فيه سبحانه فرحٌ ورضًا ومحبةٌ من ذلك وغضبٌ وسخطٌ وكراهةٌ من هذا لَلَحِقَته الكيفيات النفسية = كان لا فرق عنده بين الحسن والقبيح والمدح والذمِّ، وهذا غاية النقص والعيب شرعًا وعقلًا وفطرةً وعادةً. ومن كلام الشافعي: «من استُرضي ولم يرض فهو جبَّارٌ، ومن


(١) مشتبه في «ح»، ولعله كما أثبته.