للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحبة لأن يُحمد وأن يُعذَر، ومن محبته للعذر إرسال رسله وإنزال كتبه، ومن محبته للحمد ثناؤه على نفسه، فهو يحب أن يُعذَر على عقاب المجرمين المخالفين لكتبه ورسله ولا يُلام على ذلك ولا يُذم عليه ولا يُنسب فيه إلى جورٍ ولا ظلمٍ، كما يحب أن يحمد على إحسانه وإنعامه وأياديه عند أوليائه وأهل كرامته، وحمده متضمنٌ هذا وهذا. فهو محمود على عدله في أعدائه وإحسانه إلى أوليائه، كما قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اِلْعَالَمِينَ} [الزمر: ٧٢]، فأخبر عن حمد الكون أجمعه له عَقِيب قضائه بالحق بين الخلائق وإدخال هؤلاء إلى جنته وهؤلاء إلى ناره. وحذف فاعل الحمد إرادة لعمومه وإطلاقه حتى لا يُسمع إلَّا حامد (١) له من أوليائه وأعدائه، كما قال الحسن البصري: «لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه حجةً ولا سبيلًا» (٢). وهو سبحانه قد أعذر إلى عباده، وأقام عليهم الحجة.

وجمع - صلى الله عليه وسلم - في الحديث بين ما يحبه ويبغضه، فإنه قال فيه: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ؛ مِنْ (٣) أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» (٤). فإن الغيرة تتضمن البغض والكراهة (٥)، فأخبر أنه لا أحد أغير منه. وأن من غيرته حرَّم


(١) «ح»: «حامدا».
(٢) ذكره المصنف في «حادي الأرواح» (٢/ ٧٩٠) وفي «الفوائد» (ص ٢٣٧). ولم نقف عليه مسندًا.
(٣) «ح»: «و».
(٤) متفق عليه، وقد تقدم (ص ١٠٤٦) تخريجه.
(٥) «ح»: «والكرامة». وهو تحريف.