للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا إجماعٌ معلومٌ متيقَّنٌ عند جميع أهل السُّنَّة والحديث، فالعقل الذي يعارِض هذا لم تُجمع عليه الأُمة، ولم يُعرف عن رجلٍ واحدٍ من السلف والأئمة أنه قاله. وغايته أن يكون عقل فرقةٍ من الفرق، اشتقَّتْ لأنفسها مذهبًا، وادَّعت له معقولًا، فلما صالت عليها نصوص الوحي التجأت إلى العقل، وادَّعت أنه يخالفها، وصَدَقَتْ وكَذَبَتْ.

أمَّا صدقها فإن نصوص الوحي تخالف معقولها هي، وذلك من أدلِّ دليل على فساده في نفسه إذ شهدت له نصوص الوحي بالبطلان. وأمَّا كَذِبها فزعْمها أن نصوص الوحي تخالف العقل المتفق عليه بين العقلاء، فهذا لم يقع ولا يقع ما دامت السماء سماءً والأرض أرضًا، بل تزول السماء والأرض وهذا لا يكون!

فأي ذنبٍ للنصوص إذا خالفت عقول بعض النَّاس، فقد وافقت عقول أصحِّ النَّاس عقلًا، {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكافِرِينَ (٩٠) أُوْلَئِكَ اَلَّذِينَ هَدَى اَللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اُقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠ - ٩١].

الوجه الحادي والعشرون: أن الأدلة السمعية هي الكتاب والسُّنَّة والإجماع. وهو إنما يصار إليه عند تعذر الوصول إليهما، فهو في المرتبة الأخيرة، ولهذا أخَّره عمر في كتابه إلى أبي موسى حيث كتب إليه: «اقْضِ بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبما في سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في السُّنَّة فبما قضى به الصَّالحون قبلك» (١).


(١) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (١٠٨٨٥) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٢٣٤٤٤) والدارمي في «مسنده» (١٦٩) والنسائي (٥٣٩٩) والضياء في «المختارة» (١/ ٢٣٨) ولكنه في كتاب عمر - رضي الله عنه - إلى شريح، وليس في كتابه لأبي موسى - رضي الله عنه -.