للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل العشرون

في بيان أن أهل التأويل

لا يمكنهم إقامة الدليل السمعي على مبطل أبدًا

هذا من أعظم آفات التأويل وجنايته على الإسلام، أنه يُبطِل حُجج الله على المبطِلين على ألسنة المتأوِّلين، وإلَّا فلا تبطل حُجج الله (١) وبيِّناته أبدًا.

من المعلوم أن كل مبطلٍ أنكر على خصمه شيئًا من الباطل قد شاركه في بعضه أو في نظيره، فإنه لا يتمكن مِن دحْضِ حُجته وكسرِ باطله؛ لأن خصمه تسلَّط (٢) عليه بمثل ما تسلط (٣) هو به عليه. وهذا شأن أهل الأهواء مع بعضهم بعضًا (٤)، ولهذا كان غايةَ ما يأتون به إبداءُ تناقض بعضهم بعضًا، وكسرُ أقوال بعضهم ببعضٍ. وفي هذا منفعةٌ جليلةٌ لطالب الحقِّ؛ فإنه يكتفي بإبطال كل فرقةٍ لقول الفرقة الأخرى. فيقول: إذا احتج المتأوِّل بحُجةٍ سمعيةٍ على مبطلٍ أمكن خصمَه أن يقول له: أنا أتأوَّل هذه الحُجة كما تأوَّلتَ أنت كَيْتَ وكيت.

مثاله: أن يحتجَّ مَن يتأول الصِّفات الخبرية وآيات الفوقية والعلو على مَن ينكر ثبوت صفة السمع والبصر والعلم بالآيات والأحاديث الدالة على ثبوتها، فيقول له خصمُه: هذه عندي مؤوَّلة، كما أوَّلتَ أنت نصوص الاستواء


(١) من قوله: «على المبطلين». إلى هنا سقط من «ح».
(٢) «ح»: «يسلط».
(٣) «ح»: «سلط».
(٤) كذا، وهو أسلوب عامي، والعربية: «بعضهم مع بعضٍ». وسيأتي نظيره (ص ٢٣٤).