للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني والأربعون بعد المائة: أن فحول الكلام وأئمة النظر والبحث ـ الذين سبروا المقالات، وتبحروا في المعقولات ـ قد شهدوا لطريقة النُّفاة المعطلة بمناقضتها للسمع والعقل، وأن السمع والعقل إنما يقتضيان الإثبات، وعلو الربِّ على جميع المخلوقات، واستواءه على عرشه فوق سبع سماوات.

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب «الإبانة» (١) و «الموجز» (٢) و «المقالات» (٣) وهذا لفظه في كتاب «الموجز» إذ هو من أجلِّ كتبه المتوسطات:

«إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه، كما قال: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] وقد قال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اُلْكَلِمُ اُلطَّيِّبُ وَاَلْعَمَلُ اُلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] وقال: {بَل رَّفَعَهُ اُللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٧] وقال: {يُدَبِّرُ اُلْأَمْرَ مِنَ اَلسَّمَا إِلَى اَلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: ٤] وقال حكاية عن فرعون: {يَاهَامَانُ اُبْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّيَ أَبْلُغُ اُلْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ اَلسَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧] كذَّب موسى في قوله: إن الله عز وجل فوق السماوات.

وقال عز وجل: {آامِنتُم مَّن فِي اِلسَّمَاءِ اَن يَخْسِفَ بِكُمُ اُلْأَرْضَ} [الملك: ١٧] [ق ٩٧ أ] والسماوات فوقها العرش الذي هو فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، فالعرش أعلى السماوات. وليس إذا قال: {آامِنتُم مَّن فِي اِلسَّمَاءِ} يعني جميع السماء، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى


(١) «الإبانة» (ص ١٠٥ - ١٠٧).
(٢) عزاه له ابن تيمية في «درء التعارض» (٦/ ١٩٨ - ٢٠١).
(٣) «مقالات الإسلاميين» (ص ٢٩٠).