للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحاب أحمد. قال في باب ما أنكرت الجهمية الضُلَّال أن يكون الله على العرش: «وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذبٌ على الله حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان؛ فقل له: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: حين خلق الخلق خلقه في نفسه أو خارجًا من نفسه؟ فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه فقد كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين في نفسه، وإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا أيضًا كفرًا حين زعم أنه دخل في كل مكانٍ وحُشٍّ قذر رديء. فإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه ولم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع».

فقد بيَّن الإمام أحمد ما هو معلومٌ بصريح العقل وبديهته من أنه لا بد إذا خلق الخلق من أن يخلقه مباينًا له أو محايثًا له، ومع المحايثة إمَّا أن يكون هو في العالم وإمَّا أن يكون العالم فيه؛ لأنه سبحانه قائم بنفسه، والقائم بنفسه إذا كان محايثًا لغيره فلا بد أن يكون أحدهما حالًّا في الآخر، بخلاف ما لا يقوم بنفسه كالصفات فإنها تكون قائمةً بغيرها، فهذا القسم لم يحتج أن يذكره لظهور فساده. وكذلك قول من يقول: لا هو مباينٌ ولا محايث لما كان [معلومًا بصريح] (١) العقل بطلانه لم يدخله في التقسيم.

والمقصود أن أئمة الكلام وأئمة السُّنَّة متفقون على أن قول الجهمية مخالفٌ لصريح العقل والنقل، وفطرة الله التي فطر عليها عباده، وأنه لا يمكن أحدًا أن يقول بقولهم حتى يتوّه العقل والسمع ويفارق حكمهما.


(١) «ح»: «صريح». والمثبت من «درء التعارض» (٦/ ١٤٤).