للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجل لاحى (١) آخر، فقال: ما أنا بزانٍ، ولا أُمِّي بزانيةٍ. فضربه الحدَّ (٢). وهذا مذهب مالك (٣) وأحمد في إحدى الروايتين عنه (٤).

وكذلك إذا قلت: ما ضربت زيدًا، كنتَ قد نفيت الضرب لزيدٍ عنك، ولم تتعرَّض لضَرْبٍ وقع منك على غيره نفيًا وإثباتًا. وإذا قلت: ما زيدًا ضربتُ، كنتَ مفهمًا أن الضرب قد وقع منك على إنسانٍ غير زيدٍ.

وكذلك الأمر في المبتدأ والخبر. فهذا التقديم والتَّأخير يرجع إلى إيراد الكلام على مقتضى الحال التي يقصدها المتكلم، ومَن عرف أسلوب كلام العرب وطريقتهم في كلامهم فَهِمَ أحكام التقديم والتَّأخير. وهذا غير مُخرجٍ لاستفادة السَّامع اليقينَ من كلام المتكلم، ولا يوقف لفَهْمه على دليل يدل على أنه أراد تأخير ما قدَّمه وتقديم ما أخَّره ليفهم خلاف المعنى الظَّاهر من كلامه.

الوجه التاسع (٥) والثلاثون: قوله: وموقوف على نفي المعارض العقلي؛ لئلا يفضي إلى القدح في العقل الذي يفتقر إليه النقل. جوابه: [ب ٩٨ ب] أنَّا لا نُسلِّم أن القدح فيما عارَضَ النقل من المعقول قَدْح فيما يحتاج إليه النقل، فإن صحة النقل لا (٦) شيء عنده بإثبات موجود لا داخل العالم


(١) لاحاه ملاحاةً ولحاءً: نازعه. وتلاحوا: تنازعوا. «الصحاح» (٦/ ٢٤٨١).
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٨٢٩) وعبد الرزاق في «المصنف» (١٣٧٢٥) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٢٨٩٦٥).
(٣) ينظر: «المدونة» (٤/ ٤٩٤) و «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد (١/ ٣٢٩) و «الذخيرة» للقرافي (١٢/ ٩٤).
(٤) ينظر: «الفروع» لابن مفلح (١٠/ ٨٢) و «الإنصاف» للمرداوي (١٠/ ٢١٥).
(٥) «ب»: «الثامن». والمثبت هو الصواب، فقد تقدم الوجه الثامن.
(٦) كتب بحاشية «ب»: «سقط من هاهنا شيء». ومقتضى السياق أن يكون الكلام على نفي توقُّف صحة النقل على العقل.