للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السَّابع والستون: أن الله سبحانه نهى المؤمنين أن يتقدَّموا بين يدي رسوله، وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعضٍ، وحذَّرهم من حبوط أعمالهم بذلك؛ فقال [ق ٦٦ أ]: {يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اِللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَتَّقُوا اُللَّهَ إِنَّ اَللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اِلنَّبِيِّ ... } الآية [الحجرات: ١ - ٢]. فإذا كان سبحانه قد نهى عن التقديم بين يديه، فأي تقدُّمٍ أبلغ من تقديم عقله على ما جاء به؟! قال غير واحدٍ من السلف: لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر (١).

ومعلوم قطعًا أن من قدَّم عقله أو عقل غيره على ما جاء به فهو أعصى النَّاس لهذا النبي، وأشدهم تقدُّمًا بين يديه. وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به؟! ومن المعلوم قطعًا أنه لم يكن يفعل هذا في عهده إلَّا الكفار والمنافقون (٢)، فهم الذين حكى الله سبحانه عنهم معارضة ما جاء به بعقولهم وآرائهم، وصارت تلك المعارضة ميراثًا في أشباههم، كما حكى الله عن المشركين معارضة شرعه وأمره بقضائه وقدره، ووَرِثَهم في هذه المعارضة طائفتان:


(١) أقرب ما وجدت إلى هذا المعنى في تفسير الآية قول مجاهد بن جبر: «لا تفتاتوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيءٍ حتى يقضيه الله على لسانه». «تفسير مجاهد» (ص ٦١٠). وأخرجه الطبري في «التفسير» (٢١/ ٣٣٦) ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٧٢٥) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١/ ٣١٦) والبيهقي في «شعب الإيمان» (١٤٢٩) والهروي في «ذم الكلام وأهله» (٥٦٤). والافتيات: افتعالٌ من الفوت، وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار من يُؤتمر. «الصحاح» (١/ ٢٦٠).
(٢) «ح»: «المنافقين».