للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا السلوك هو كان سلوك الصَّحابة والتَّابعين ومن درج على آثارهم من الأئمة، أول ما يطلبون النَّازلة من القرآن، فإن أصابوا حكمها فيه لم يَعْدُوه إلى غيره، وإن لم يصيبوها فيه طلبوها من سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أصابوها لم يَعْدُوها إلى غيرها، وإن لم يصيبوها طلبوها من اتفاق العلماء.

وقد صان الله الأُمة أن تُجمع على خطأ، أو على ما يُعلم بطلانه بصريح العقل. فإذا كان الإجماع معصومًا أن ينعقد على ما يخالف العقل الصريح ـ بل إذا وجدنا معقولًا يخالفه الإجماع علمنا قطعًا أنه معقولٌ فاسدٌ ـ فلَأن يُصان كتاب الله وسُنة رسوله عن مخالفة العقل الصريح أولى وأحرى.

الوجه الثَّاني والعشرون: أنه إذا قُدِّر تعارض العقل والكتاب، فردُّ العقل الذي لم يُضمن (١) لنا عصمته إلى الكتاب المعلوم العصمة هو الواجب.

الوجه الثَّالث والعشرون: أن هؤلاء الخائضين في صفات الربِّ وأفعاله وما يجوز عليه وما لا يجوز بآرائهم وعقولهم تراهم مختلفين متنازعين حيارى متهوِّكين. وحاصل ما مع أكثرهم حُسن الظنِّ بإمامه الذي سلك طريقته وتقليده في أصوله، وهو يرى بعقله خلافها، ويستشكلها ويُقرُّ بأنها مشكلةٌ جدًّا، ثم يُنكَس على رأسه ويقول: هو أعلم بالمعقول مني.

فنجد أتباع أرسطو ـ الملحد المشرك عابد الأوثان ـ يتبعونه فيما وضعه لهم من قواعد المنطق والطبيعي والإلهي، وكثيرٌ منهم يرى بعقله نقيض ما


(١) «ح»: «يتضمن».