للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن دلالة اللفظ مبناها على عادة المتكلم التي يقصدها بألفاظه، ولهذا استدلَّ على مراده بلُغته التي عادته أن يتكلَّم بها. فإذا عَرَف السَّامع ذلك المعنى، وعرف أن عادة المتكلم إذا تكلَّم بذلك اللفظ أن يقصده؛ علم أنه مراده قطعًا، وإلَّا لم يعلم مراد المتكلم أبدًا، وهو محالٌ.

الثَّاني: أن المتكلم إذا كان قصده إفهام المخاطبين كلامَه، وعلِمَ السَّامعُ من طريقته وصفته أن ذلك قصده، لا أن قصده التلبيس والإلغاز [ق ٣٨ ب] أفاده مجموعُ العلمين اليقين بمراده، ولم يشكَّ فيه. ولو تخلَّف عنه العلم لكان ذلك قادحًا في أحد العلمين: إمَّا قادحًا في علمه بموضوع ذلك اللفظ، وإمَّا في علمه بعبارة المتكلم به وصفاته وقصده؛ فمتى عرف موضوعه وعرف عادة المتكلم أفاده ذلك القطع. يُوضِّحُه:

الوجه الخمسون: أن السَّامع متى سمع المتكلم يقول: لَبِستُ ثوبًا، ورَكِبتُ فرسًا، وأكلت لحمًا؛ وهو عالمٌ بمدلول هذه الألفاظ من عُرف المتكلم، وعالمٌ أن المتكلم لا يقصد بقوله: «لبست ثوبًا» معنى ذبحت شاةً، ولا من قوله: «ركبت فرسًا» معنى لبست ثوبًا= عَلِمَ مراده قطعًا.

فإن من قصد خلاف ذلك عُدَّ مُلبِّسًا مُدلِّسًا، لا مُبيِّنًا مُفهمًا. وهذا مستحيل على الله ورسوله أعظمَ استحالة، وإن جاز على أهل التخاطُب فيما بينهم. فإذن إفادة كلام الله ورسوله لليقين فوق استفادة ذلك من كلام كل متكلمٍ، وهو أدلُّ على [مراد] (١) الله ورسوله من دلالة كلام غيره على مراده. وكلما كان السَّامع أعرف بالمتكلم وصفاته وقَصْده وبيانه وعادته كان


(١) «ح»، «م»: «كلام». والمثبت هو الصواب.