للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسر (١) المسألة أنه متى جُوِّز أن يكون في العقل ما يناقض خبر الله ورسوله امتنع منه الإيمان الجازم. والإيمان اليقيني الجازم وهذا التجويز لا يجتمعان أبدًا. يوضحه:

الوجه الثَّامن والثمانون: أن المعقولات ليس لها ضابطٌ يضبطها، ولا هي منحصرة في نوعٍ معينٍ، فإنه ما من أُمة من الأُمم إلَّا ولهم عقليات يختصون بها، فللفُرْس عقلياتٌ، وللهند عقلياتٌ، ولليونان عقلياتٌ، وللمجوس عقلياتٌ، وللصابئة عقلياتٌ. بل كل طائفةٍ من هذه الطوائف ليسوا متفقين على العقليات، بل بينهم فيها من الاختلاف والتباين ما هو معروفٌ عند المعتنين به. ونحن نُعفيكم من هذه (٢) المعقولات واضطرابها، ونحاكمكم إلى المعقولات التي في هذه الأُمة، فإنه ما من مدةٍ من المدد إلَّا (٣) وقد ابتُدعت فيها بدعٌ يزعم أربابها أن العقل دلَّ عليها، ونحن نسوق لك الأمر من أوله إلى أن يصل إليك ـ بعون الله وحُسن توفيقه ـ فنقول:

لمَّا أظلمت الأرض، وبعُد عهد أهلها بنور الوحي، وتفرقوا في الباطل فرقًا وأحزابًا، لا يجمعهم جامعٌ، ولا يحصيهم إلَّا الذي خلقهم، فإنهم فقدوا نور النبوة، ورجعوا إلى مجرد العقول، فكانوا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه أنه قال: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ (٤) عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا


(١) «ح»: «ويكسر». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «هذه» سقط من «ح». وأثبته من «م».
(٣) «ح»: «وإلا». والمثبت من «م».
(٤) أي: استخفتهم، فذهبت بهم وساقتهم إلى ما أرادوه منهم وجالوا معهم. «مشارق الأنوار» (١/ ١٦٥).