للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستفد منه فائدةً علميةً، بل غايته أن يستفيد إتعاب قلبه، وإعمال فكره فيما يحتمله ذلك اللفظ من المعاني التي لا يدل عليها الخطاب، ليصرف دلالة الخطاب إليها، ومعلوم أن المقصود من الخطاب الإفهام، وهذا لم يستفد من الخطاب الإفهام، ولا الصواب، فإنَّ الحق إنما استفاده من عقله، والمعنى الذي دلَّ عليه الخطاب الدلالةَ المألوفة لم يُقصد بالخطاب إفهامه، والمعنى البعيد ـ الذي صَرف اللفظ إليه وحمله عليه ـ هو عالمٌ بثبوته بدون الخطاب، فلم يكن في خطاب الله ورسوله عند هؤلاء فائدةٌ علميةٌ البتة.

ولقد صرَّحوا بهذا، وقالوا: المقصود تعريض متأوليه للثواب. ومضمون هذا أن نصوص الوحي إنما أفادت تضليل الإنسان، وإتعاب الأذهان، والتفريق بين أهل الإيمان. وإلقاء العداوة بينهم والشنآن، وتمكين أهل الإلحاد من الطعن في القرآن والإيمان، هذا إن كان في عقله معارضٌ لخبر الله ورسوله.

وإن لم يكن عنده معقولٌ يُعارض النصوص لم يَجزم بأنه ليس في عقول جميع النَّاس ما يُعارض ذلك الخبر، وعدم العلم بالمعارض لا يستلزم العلم بعدمه، فهو يجوِّز أن يكون ثَمَّ معارضٌ ولا علم له به. وهذا يمنع الجزم بالتصديق قطعًا، كما تقدَّم التنبيه عليه (١).

فظهر أن هذه الطريقة تمنع التصديق الجازم بما (٢) أخبر به الرَّسول من الغيب، وتحول بين القلب وبين الإيمان.


(١) تقدم (٥٥٠ - ٥٥١).
(٢) «ح»: «بما».