للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثل هذا في القرآن كثيرٌ جدًّا، وفَهْم الكلام لا يتوقَّف على أن يُضمَر فيه ذلك، مع أنه مراد ولا بدَّ، فكيف يتوقَّف فَهْمُ الكلام الذي لا دليل فيه على الإضمار بوجهٍ ـ وهو كلامٌ مفيدٌ قائمٌ بنفسه مُعْطٍ لمعناه ـ على دليلٍ منفصلٍ يدل على أن المتكلم لم يُضمِر فيه خلافَ ما أظهره، وهل يتوقف أحدٌ من العقلاء في فَهْم خطاب غيره له على هذا الدليل أو يخطر بباله؟!

والنوع الثَّالث: كلامٌ يحتمل الإضمار ويحتمل عدمه، فهذا إذا قام الدليل على أن المتكلم به عالمٌ ناصحٌ مرشدٌ، قصدُه البيان والهُدى والدلالة والإيضاح بكل طريق، وحسمُ مواد اللبس ومواقع الخطأ، وأن هذا هو المعروف المألوف من خطابه، وأنه اللائق بحكمته= لم يشكَّ السَّامع في أن مراده ما دلَّ عليه ظاهر كلامه دون ما يحتمله باطنه من إضمارِ ما لم يجعل للسامع عليه دليلًا، ولا له إلى معرفته سبيلًا، إلَّا أن يجوِّز عليه أنه أراد منه ذلك، وكلَّفه ما لا يطيقه، وعرَّضه للعناء والمشقة، وألغزَ له، ولم يَقصِد البيان. ولا نكير على مَن ظنَّ ذلك في المتكلم أن يظن بكلامه ما هو مناسب لظنه به. يوضحه:

الوجه السَّابع والثلاثون: أن الإضمار هو الإخفاء، وهو أن يخفي المتكلِّم في نفسه معنًى ويريد من المخاطَب أن يَفهَمه، فهذا إمَّا أن يجعل له عليه دليلًا [ب ٩٦ ب] من الخطاب أو لا. فإن جعل له عليه دليلًا من السياق لم يكن ذلك إضمارًا محضًا، بل يكون قد أظهره له بما دلَّه عليه من السياق، ودلالة اللفظ قد تحصل من صريحه تارةً، ومن سياقه ومن قرائنه المتصلة به= فهذا لا محذور فيه إذا كان المخاطِب قد دلَّ السَّامع على مقصوده ومراده. وإن لم يجعل له عليه دليلًا فإنه لم يَقصِد بيانه له، بل عدل عن بيانه