للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الأربعون: أن الأدلة القاطعة قد قامت على صِدْق الرَّسول صلوات الله وسلامه عليه في كل ما يُخبر به، ودلالتُها على صدقه أبين وأظهر من دلالة تلك الشُّبه العقلية على نقيض ما أخبر به عند كافة العقلاء، ولا يستريب في ذلك إلَّا مَؤُوف (١) في عقله، مصاب في قلبه وفِطْرته.

فأين الشُّبه النَّافية لعلوِّ الله على خلقه وتكلُّمه بمشيئته وتكليمه لخلقه (٢)، ولصفات كماله ولرؤيته بالأبصار في الدَّار الآخرة، ولقيام أفعاله به إلى براهين نبوَّته وصدقه التي زادت على الألف، وتنوَّعت كل تنوُّعٍ.

فكيف يقدح في البراهين العقلية الضرورية بالشُّبه الخيالية المتناقضة إلَّا مَن هو مِن أفسد النَّاس عقلًا ونظرًا، وهل ذلك إلَّا مِن جِنْس الشُّبه التي أوردوها في التشكيك في الحسيات والبديهيات، فإنها وإن عجز كثيرٌ من النَّاس عن حلِّها فهم يعلمون أنها قدحٌ فيما (٣) علموه بالحس والاضطرار، فمَن قدر على حلِّها وإلَّا لم يتوقَّف جزمه بما علمه بحسِّه (٤) واضطراره على حلِّها، وكذلك الحال في الشُّبه التي عارضت ما أخبر به الرَّسول سواء، فإن المُصَدِّق به وبما جاء به يعلم أنها لا تقدح في صِدْقه ولا في الإيمان به، وإن


(١) أي: مصاب، يقال: إِيفَ الزرعُ ـ كقيل ـ أي: أصابته آفةٌ، فهو مَؤُوفٌ، مثال مَعُوفٍ. «الصحاح» (٤/ ١٣٣٣) و «تاج العروس» (١٢/ ٩٧).
(٢) «ح»: «بخلقه». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «في». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «عمله بحسنة». والمثبت من «م».