للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمينه ولا عن يساره، ثم زادوا جواز تعلُّق الرؤية بكل موجودٍ من الأصوات والروائح والمعاني، وتعلُّق الإدراكات الخمس بذلك، فجوَّزوا سماع الرَّائحة، وشمَّ الأصوات، وسماع الطعوم، فخرجوا عن صريح المعقول، كما خرجوا عن صحيح المنقول: أن المسلمين يرون ربهم من فوق.

وتأمَّلْ خروجهم عن صريح العقل في مسألة الطفرة والأحوال والكسب ومسألة النبوات، وأن النبوة لا ترجع إلى صفةٍ وجوديةٍ، وإنما هي تعلُّق الخطاب القديم بالنبي (١)، والتعلق أَمْرٌ عدميٌّ، وقولهم بأن المتولدات لا فاعلَ لها، وقولهم بأن الله مريد بإرادة يَخلُقها لا في محلٍّ. فخالفوا صريح العقل من وجهين: من إثبات كونه مريدًا من غير قيام صفة الإرادة به، ومن جعلهم صفة الإرادة قائمة [ب ٩٩ ب] بغير محلٍّ.

ومن ذلك خروجهم عن صريح العقل في قولهم: إن الربَّ تعالى عالمٌ بلا عِلْمٍ، سميعٌ بلا سَمْعٍ، بصيرٌ بلا بصرٍ، قادرٌ بلا قدرةٍ، حيٌّ بلا حياةٍ. فأنكر ذلك عليهم طوائفُ العقلاء، ففرَّ بعضهم إلى أن قال: عِلْمُه وسمعه وبصره وقدرته وحياته هي ذاته. وقال أعقلهم عند نفسه وعند أتباعه: إنه سبحانه عِلْمٌ كله، وقدرةٌ كله، وحياةٌ كله، وسَمْعٌ كله، وبصرٌ كله.

إلى أضعاف أضعاف ما ذَكَرْنا من أقوالهم التي خرجوا فيها عن صريح العقل. فهل تجد في نصوص الوحي التي عارضوا فيها بين العقل والنقل مثل ذلك أو قريبًا منه؟! فتأمَّلْها وتأمَّلْ أقوالهم تعلمْ أيَّ النوعين معه العقل، ومن الذي خرج عن صريحه! وبالله التوفيق (٢).


(١) «ب»: «بالشيء». والمثبت هو الصواب.
(٢) آخر الموجود من النسخة «ب» وكتب الناسخ: «تم، بلغ بحمد الله مقابلة حسب الطاقة». ومن فضل الله أنه هنا انتهى السقط الواقع في «ح». فاتصل الكلام بحمد الله تعالى.