للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجودها في آنٍ واحدٍ مستحيل، فجعلوه علة ثابتة لما هو ممتنع الوجود في غير وقته، وهذا قول الفلاسفة. فقابلهم المتكلمون في ذلك، ولم يجعلوا الفعل ممكنًا له في الأزل بحالٍ، ولم يُفرِّقوا بين نوع الفعل وعينه. وخالف الفريقان صريح العقل.

فتأمَّلْ قول الفريقين في الموجِب بالذَّات والفاعل بالاختيار، كيف تجدهم قد خرجوا فيه عن صريح العقل، وقالوا ما يشهد العقل ببطلانه.

وتأمَّلْ قولهم في أن الواحد لا يصدر عنه إلَّا واحد، كيف خرجوا عن صريح العقل في المصدر والصَّادر عنه.

وتأمَّلْ قولهم في إنكار قيام الأفعال الاختيارية به سبحانه التي ترجموها بمسألة حلول الحوادث، كيف خرجوا فيها عن المعقول الصريح، وكابروه أَبيَنَ مكابرة، والتزموا لأجله تعطيل الحيِّ الفعَّال عن كل فعلٍ، والتزموا لأجله حصول مفعول بلا فعل، ومخلوق بلا خلق، فإن الفعل عندهم عين المفعول، والخلق نفس المخلوق. وهذا مكابرة لصريح العقل.

وتأمَّلْ خروجهم عن العقل الصريح في إنكار الحِكَم والغايات التي يفعل الربُّ تعالى لأجلها ما يفعل.

وتأمَّلْ خروجهم عن صريح العقل بتجويزهم رؤية الشيء في غير جهة من الرَّائي (١) يرى عيانًا لا فوق الذَّاتي ولا تحته، ولا خلفه ولا أمامه، ولا عن


(١) من قوله: «وتأمل خروجهم عن صريح العقل» إلى هنا بياض في «ب»، وكتب الناسخ في خلاله: «سقط من هاهنا شيء». ثم جاءت هذه العبارة بعد قوله: «والتعلق أمر عدمي» في الفقرة التالية، وتحرف فيها «الرائي» إلى «الذاتي» ووضعها هنا أليق وأنسب، والله أعلم.