للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأمَّلْ ما جاءت به النصوص أنه سبحانه لم يَزَلْ مَلِكًا ربًّا غفورًا رحيمًا محسنًا قادرًا لا يُعجِزه الفعل، ولا يمتنع عليه. وكيف لا تجد ما خالف ذلك مخالفًا لصريح العقل، كقول الفلاسفة: إنه لا يفعل باختياره ومشيئته؛ وقول المتكلمين: إنه كان من الأزل إلى حيث خلق هذا العالم معطلًا عن الفعل غير متمكِّن منه والفعل مستحيل، ثم انقلب من الإحالة الذَّاتية إلى الإمكان الذَّاتي بلا تجدُّد سبب اقتضى ذلك. فانظر أي هذه المذاهب مخالفٌ لصريح العقل كما هو مخالف لصحيح النقل!

وتأمَّلْ قولهم في الإرادة والقدرة والعلم، كيف أثبتوا إرادةً لا تَفعَل، وقدرة لا تَفعَل، وعلمًا لا يعقل، فقابلهم طائفة من الفلاسفة (١) كيحيى بن عدي النصراني (٢) قولها في الكلمة: إنها الله (٣). لقول المتكلمين في السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة: إنها نفس الذَّات. فانظر مخالفة هذه الطوائف لصريح العقل!

وتأمَّلْ قولهم: إنَّ السمع هو عين [ب ٩٩ أ] البصر، والبصر هو عين العلم، والكل صفةٌ واحدةٌ. فهل في مخالفة العقل الصريح أشد من ذلك؟!

وتأمَّلْ قولهم: إن الربَّ تعالى علَّةٌ ثابتة في الأزل لجميع المعلولات (٤)،


(١) كتب بالحاشية: «سقط من هاهنا شيء». وقد انقطع سياق الكلام كما ترى.
(٢) يحيى بن عدي بن حميد نزيل بغداد، انتهت إليه رئاسة أهل المنطق في زمانه، قرأ على أبي نصر الفارابي وغيره، وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة. ترجمته في: «أخبار العلماء بأخيار الحكماء» (ص ٢٧٠ - ٣٧٢) و «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» (ص ٣١٧ - ٣١٨).
(٣) كذا في «ب»، ولأن السياق قد انقطع فلم نَدْرِ معناه.
(٤) «ب»: «المعلومات». والمثبت هو الصحيح.