للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنع والمعارضة، ومنع ومعارضة يلزمه انتفاء التصديق الجازم، فيُستدل بوجود الملزوم منهما على وجود لازمه، وبانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه. وهذا أمرٌ قطعيٌّ، لكنه موقوف على صحة اللزوم. فنقول: متى حصل الإقرار بأن المتكلم عالمٌ بما أخبر به، صادقٌ في خبره يستحيل عليه الجهل والكذب عمدًا أو خطأ؛ امتنع ـ والحالة هذه ـ أن يقوم بقلب من اعتقد ذلك منعٌ لخبره أو معارضةٌ له، ووجود المنع والمعارضة وهذا الإقرار والتصديق لا يجتمعان. وإذا ثبت اللزوم المذكور لزم من وجود الملزوم وجود لازمه، ومن انتفاء اللازم انتفاء ملزومه.

والعجب أن هؤلاء مع (١) شدة تمسكهم بالعقليات واعتنائهم بها حين عارضوا بينها وبين الوحي يجمعون بين النقيضين، ويُثبتون الشيء وينفون لازمه، وينفون اللازم ويثبتون ملزومه، وذلك مخالفةٌ لصريح العقل؛ فإنهم يدَّعون الإيمان بما جاء به الرسول وينفون لازمه، وإذا نفوا اللازم انتفى الملزوم، ولكن من حكمة أحكم الحاكمين أن سلب (٢) هؤلاء خاصة عقولهم، وحال بينهم وبينها، وكشف لأهل العقل والسمع أنهم من أبعد الناس عن العقل والسمع. وهذا كما ظهر لأتباع الرُّسل في الدنيا فإنه سيظهر لأولئك حين يقول المعارضون للرُّسل بعقولهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ اِلسَّعِيرِ} [الملك: ١١].

الوجه الحادي والأربعون بعد المائتين: أن الله سبحانه أنزل على عبده ورسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في أفضل الأيام وأفضل الشهور وأفضل


(١) «ح»: «من». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «يسلب».