للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان بألفاظ القرآن والحديث، من غير فقهٍ ولا فهمٍ لمراد الله تعالى ورسوله منها، واعتقدوا أنهم بمنزلة الأُميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ اَلْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٧]، وأن طريقة المتأخرين هي استخراجُ معاني النصوص وصرفُها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستنكر التأويلات.

فهذا الظن الفاسد أوجبَ تلك المقالةَ التي مضمونها نبذُ الكتاب والسُّنَّة وأقوال الصحابة والتابعين [ق ٣ أ] وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، وسببُ ذلك اعتقادُهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلَّت عليها هذه النصوص. فلمَّا اعتقدوا التعطيل وانتفاء الصِّفات في نفس الأمر، ورأوا أنه لا بد للنصوص من معنًى، بقوا متردِّدين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى ـ وهذا الذي هو طريقة السلف عندهم ـ وبين صرف اللفظ عن حقيقته وما وُضِعَ له إلى ما لم يُوضَع له ولا دَلَّ عليه بأنواع من المجازات والتكلُّفات (١)، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبهُ منها بالبيان والهدى، كما سيأتي بيانه مفصَّلًا إن شاء الله.

وصار هذا الباطل مركَّبًا من فساد العقل والجهل بالسمع، فلا سمعَ ولا عقل، فإن النفي والتعطيل إنما اعتمدوا فيه على شبهاتٍ فاسدةٍ ظنوها معقولاتٍ صحيحةً، فحرَّفوا لها النصوص السمعية عن مواضعها، فلمَّا ابتُني (٢) أمرُهم على هاتين المقدمتين الكاذبتين كانت النتيجة استجهالَ


(١) «ح»: «وبالتكليفات».
(٢) في «الفتوى الحموية»: «انبنى».