للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا. وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» (١).

فكان أهل العقول كلهم في مقته إلَّا بقايا متمسكين بالوحي، فلم يستفيدوا بعقولهم حين فقدوا نور الوحي إلَّا عبادة الأوثان أو الصلبان أو النيران أو الكواكب والشمس والقمر، أو (٢) الحيرة والشك، أو السحر، أو تعطيل الصَّانع والكفر به، فاستفادوا بها مقت الربِّ سبحانه لهم، وإعراضه عنهم.

فأطلع الله شمس الرِّسالة في تلك الظُّلَم سراجًا منيرًا، وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم، ومعاشهم ومعادهم، نعمة لا يستطيعون لها شكورًا ـ فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه، [ق ٧٤ ب] ورأوا في ضوء الرِّسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه. فكانوا كما قال الله تعالى: {اِللَّهُ وَلِيُّ اُلَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ} [البقرة: ٢٥٥] وقال: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ اَلنَّاسَ مِنَ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ اِلْعَزِيزِ اِلْحَمِيدِ} [إبراهيم: ١ - ٢] وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا اَلْكِتَابُ وَلَا اَلْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٤٩] وقال: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي اِلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي اِلظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام: ١٢٣].

فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النُّور لم تطفئه عواصف الأهواء،


(١) أخرجه مسلم (٢٨٦٥) عن عياض بن حمار - رضي الله عنه -.
(٢) «ح»: «و». والمثبت من «م».