للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تلتبس به ظُلَم الآراء، وأوصوا من بعدهم ألَّا يُفارقوا (١) النُّور الذي اقتبسوه منهم، وألَّا يخرجوا عن طريقهم. فلمَّا كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة، فبعدوا عن النُّور الذي كان عليه أوائل الأُمة (٢). ومع هذا فلم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظِّمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدِّمين، ولم يَدَّعِ أحدٌ منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أُتوا من سُوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها دون مَن قبلهم، ورأوا أنهم إن اتبعوهم (٣) كانوا مقلِّدين لهم، فصاح بهم من أدركهم من الصَّحابة وكبار التَّابعين من كل قُطرٍ، ورموهم بالعظائم، وتبرؤوا منهم، وحذَّروا من سبيلهم أشد التحذير، وكانوا لا يرون السلام عليهم، ولا مجالستهم. وكلامهم فيهم معروفٌ في كتب السُّنَّة، وهو أكثر من أن يُذكر هاهنا.

فلمَّا كثرت الجهمية ـ في أواخر عصر التَّابعين ـ كانوا هم أول من عارض الوحي بالرَّأي، ومع هذا كانوا قليلين أذلاء مقموعين مذمومين عند الأُمة. وأولهم وشيخهم الجعد بن درهم. وإنما نفق (٤) عند النَّاس بعضَ الشيء لأنه كان معلم مروان بن محمد وشيخه، ولهذا كان يُسمَّى مروان الجعدي، وعلى رأسه سلب الله بني أمية الملك والخلافة، وشتتهم في البلاد، ومزقهم كل ممزقٍ ببركة شيخ المعطلة النُّفاة. فلمَّا اشتهر أمره في المسلمين طلبه (٥)


(١) بعده في «م»: «ذلك».
(٢) «ح»: «الأئمة». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «ابتغوا بهم».
(٤) نفق البيع نَفَاقًا بالفتح: أي راج. «الصحاح» (٤/ ١٥٦٠).
(٥) «ح»: «فطلبه». والمثبت من «م».