للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالد بن عبد الله القسري ـ وكان أميرًا على العراق ـ حتى ظفر به، فخطب النَّاس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قال في خطبته: «أيها النَّاس، ضَحُّوا تقبَّل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يُكلِّم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا. تعالى الله عمَّا يقول الجعد علوًّا كبيرًا. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر؛ فكان ضحيَّته (١)» (٢).

ثم طفئت تلك البدعة، فكانت كأنها حصاة رُمي بها، والنَّاس إذ ذاك عُنُقٌ واحدٌ (٣): أن الله فوق سماواته على عرشه، بائنٌ من خلقه، موصوفٌ بصفات الكمال ونعوت الجلال، وأنه كلَّم عبده ورسوله موسى تكليمًا، وتجلَّى للجبل فجعله دكًّا هشيمًا.

إلى أن جاء أول المائة الثَّالثة وولي على النَّاس عبد الله المأمون، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامرًا بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حبُّ المعقولات، فأمر بتعريب كتب يونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد، فعُرِّبت له، واشتغل بها النَّاس. والملك سُوقٌ ما نفق (٤) فيه جُلب


(١) «ح»: «ضحية». والمثبت من «م».
(٢) أخرج القصة البخاري في «خلق أفعال العباد» (٣) وفي «التاريخ الكبير» (١/ ٦٤) والدارمي في «النقض على المريسي» (١/ ٥٨٠ - ٥٨١) وفي «الرد على الجهمية» (١٣، ٣٨٧) وحرب الكرماني في «مسائله» (١٨٤٧) والخلال في «السنة» (١٦٩٠) والآجري في «الشريعة» (٦٩٤، ٢٠٧٢) واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (٥١٢) والبيهقي في «الأسماء والصفات» (٥٦٣) وفي «السنن الكبرى» (١٠/ ٢٠٥) وغيرهم. وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (٣/ ٢١٩): «هذه قصة مشهورة».
(٣) أي: جماعة واحدة. «تهذيب اللغة» (١/ ٢٥٢).
(٤) «ح»: «سوق». والمثبت من «م».