للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه. فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية ـ ممَّن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم وتتبعهم (١) بالحبس والقتل ـ فحشوا بدعة التجهُّم في أذنه وقلبه، فقبلها واستحسنها، ودعا النَّاس إليها، وعاقبهم عليها، فلم تَطُلْ مدته.

فصار الأمر بعده إلى المعتصم ـ وهو الذي ضرب الإمام أحمد بن حنبل ـ فقام بالدعوة بعده، والجهمية تصوِّب فِعْله، وتدعوه إليه، وتخبره أن ذلك هو تنزيه الربِّ عن التشبيه والتمثيل والتجسيم، وهم الذين قد غلبوا على قربه ومجلسه، والقضاة والولاة منهم، فإنهم تبعٌ لملوكهم. ومع هذا فلم يكونوا يتجاسرون على إلغاء النصوص، وتقديم الآراء والعقول عليها، فإن الإسلام كان في ظهورٍ وقوةٍ، وسوق الحديث نافقةٌ، ورؤوس السُّنَّة على ظهر الأرض، ولكن كانوا على ذلك يحومون، وحوله يدندون، وأخذوا النَّاس بالرغبة والرهبة (٢)، فمِن بين أعمى مستجيبٍ، ومن بين مكرهٍ مفتدٍ (٣) نفسَه منهم بإعطاء ما سألوه، وقلبه مطمئنٌ بالإيمان.

وثبَّت الله أقوامًا جعل قلوبهم في نصر دينه أقوى من الصخر، وأشد من الحديد، وأقامهم لنصر دينه [ق ٧٥ أ] وجعلهم أئمةً يقتدي بهم المؤمنون؛ لمَّا صبروا وكانوا بآياته يوقنون، فإنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدِّين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَىمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]. فصبروا من الجهمية على الأذى الشديد، ولم يتركوا سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا أرغبوهم به من الوعد، ولا لِمَا (٤) ............................................


(١) «ح»: «تبعهم». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «الرغبة والهبة». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «مقيد». وهو تصحيف، والمثبت من «م».
(٤) «ولا لما» «ح»: «وما». والمثبت من «م».