للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تهددوهم (١) به من الوعيد. ثم أطفأ الله برحمته تلك الفتنة، وأخمد تلك الكلمة، ونصر السُّنَّة نصرًا عزيزًا، وفتح لأهلها فتحًا مبينًا، حتى صُرخ (٢) بها على رؤوس المنابر، ودُعي إليها في كل بادٍ وحاضر، وصُنِّف ذلك الزمانَ في السُّنَّة ما لا يُحصيه إلَّا الله.

ثم انقضى ذلك العصر وأهله، وقام بعدهم ذريتهم يدعون إلى كتاب الله وسُنة رسوله على بصيرة، إلى أن جاء ما لا قِبل لأحدٍ به، وهم جنود إبليس حقًّا، المعارضون لما جاءت به الرسل بعقولهم وآرائهم من القرامطة والباطنية والملاحدة، ودعوتهم إلى العقل المجرد، وأن أمور الرُّسل تُعارض المعقول، فهم (٣) القائمون بهذه الطريقة حقَّ القيام بالقول والفعل. فجرى على الإسلام وأهله منهم ما جرى، وكسروا عسكر الخليفة مرارًا عديدة، وقتلوا الحاجَّ قتلًا ذريعًا، وانتهوا إلى مكة، فقتلوا بها من وصل من الحاجِّ إليها، وقلعوا الحجر الأسود من مكانه، وقويت شوكتهم، واستفحل أمرهم، وعظمت بهم الرزية، واشتدت بهم البلية.

وأصل طريقهم: أن الذي أخبرت به الرُّسل قد عارضه العقل، وإذا تعارض العقل والنقل قدَّمنا العقل، قالوا: فنحن أنصار العقل الدَّاعين إليه المخاصمين به المحاكمين (٤) إليه. وفي زمانهم استولى الكفار على كثيرٍ من


(١) «م»: «أرعبوهم».
(٢) «م»: «صرح». بالحاء المهملة.
(٣) «ح»: «المنقول منهم». والمثبت من «م».
(٤) كذا في «ح»: «الداعين، المخاصمين، المحاكمين». ثلاثتها منصوبة، وهي صفات لمرفوع وهو «أنصار»، على تقدير أعني.