للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السمع. ولتكن قصة شيخ هؤلاء القديم (١) منك على ذُكْرٍ كلَّ وقتٍ؛ فإنه أول من عارض بين العقل والنقل، وقدَّم العقل، فكان من أمره ما قصَّ الله عليك. وورَّث هذا الشيخُ تلامذتَه هذه المعارضة، فلم يزل يجري على الأنبياء وأتباعهم منها كل محنةٍ وبليةٍ. وأصل كل بليةٍ في العالم ـ كما قال محمد الشهرستاني (٢) ـ: من معارضة النص بالرَّأي، وتقديم الهوى على الشرع. والنَّاس إلى اليوم في شرور هذه المعارضة وشؤم عاقبتها، فإلى الله المشتكى وبه المستعان.

ثم إنه خرج مع هذا الشيخ المتأخر (٣) المعارض بين العقل والنقل أشياء لم تكن تُعرف قبله، جُست (٤) العميدي، وحقائق ابن عربي، وتشكيكات الرَّازي. وقام سوق الفلسفة والمنطق وعلوم أعداء الرُّسل التي فرحوا بها لمَّا جاءتهم رسلهم بالبينات، وصارت الدولة والدعوة لأرباب هذه العلوم.

ثم نظر الله إلى عباده وانتصر لكتابه ودينه، وأقام جندًا تغزو ملوك هؤلاء


(١) يعني: إبليس لعنه الله.
(٢) ينظر «الملل والنحل» (١/ ١٠).
(٣) يعني: نصير الدِّين الطوسي.
(٤) جُسْت: كلمة فارسية، معناها بحث وفحص، وقد سُمي بها فرع من فروع الخلاف، وكان العميدي إمامًا في فنِّ الخلاف، وهو أول من أفرد الجُست بالتصنيف، فنُسب إليه. ينظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٤/ ٢٥٧) و «تكملة المعاجم العربية» (٢/ ٢١١). والعميدي هو ركن الدِّين أبو حامد محمد بن محمد العميدي الحنفي، توفي ببخارى سنة خمس عشرة وستمائة. ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ٧٦ - ٧٧).